منذ عقود يتفوق الإناث على الذكور في الدول الغربية «المتقدمة» في الالتحاق بالتعليم الجامعي، والهوة بين الجنسين في هذا الجانب تتسع عاماً بعد عام. ولم يكن ينظر لهذا الأمر بأي نظرة قلق فالنساء كن يتفوقن دراسياً، لكن غالباً ما يتأخرن في الجانب الوظيفي لأسباب متعددة. مؤخراً، ظاهرة جديدة بدأت تطفو على السطح، وتتعلق بالتوظيف والعمل؛ حيث أصبحت احتمالية عمل الأنثى أكثر من الذكور في هذه الدول وأصبح معدل توظيف النساء الشابات يتزايد ويتعدى معدل توظيف الرجال الشباب.وفي أحدث تقرير لها حول هذه الظاهرة تذكر صحيفة «الفايننشال تايمز» وبالأرقام أن مدخول النساء في بريطانيا أصبح أكثر من مدخول الرجال. وتؤكد الصحيفة أن تفوق النساء الشابات يقابله تراجع لبعض الرجال الشباب (ما بين 20 إلى 24 عاماً) في التعليم والتوظيف مبينة أن نسبة الرجال الشباب خارج «الاقتصاد» في بلدان مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا أكثر من النساء ولأول مرة في التاريخ!وتضيف الصحيفة أن لهذه الظاهرة - التي وصفتها بأنها أشبه بتحرك مسطحات قشرة الأرض tectonic shift نظراً لحجمها وتأثيرها القوي والواسع - عواقب خطيرة، ومنها إصابة هذه الفئة من الرجال الشباب بأمراض عقلية نتيجة الفراغ وغياب الأهداف، بل إن 80٪ من هذه الفئة في بريطانيا تحديداً أكدوا إصابتهم بأمراض مزمنة! وتدفع الظاهرة هذه الفئة من الرجال الشباب إلى التطرف الفكري والتعبير باستخدام العنف الجسدي، والذي ارتفعت معدلاته في دول غربية عديدة. ومن زاوية أخرى، أصبح النساء وبسبب الوظيفة والمدخول الجيد يؤجلن مشروع تكوين أسرة؛ نظراً لاكتفائهن المالي وندرة وجود الشباب القادر على موزاتهن مالياً.وتستنتج الصحيفة أن التراجع الذي يواجهه الرجال الشباب تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً من الصعب تصحيحه، وأن الأمر سيصبح تحدياً كبيراً يواجه الدول ذاتها في السنوات المقبلة. وهي تحمّل الرجال الشباب المسؤولية؛ نظراً لعزوفهم عن استكمال الدراسة الجامعية؛ مما يضعف من فرص دخولهم لسوق العمل في زمن أصبحت فيه الوظيفة تتطلب مهارات عقلية أكثر من يدوية.وأرى أن تحميل الرجال جزءاً من مسؤولية الظاهرة التي عكست السائد والمعتاد أمر مقبول بلا شك والمتوقع أن يتطلب تصحيح قناعات الشباب حوّل الدراسة الجامعية مجهوداً مرهقاً. وأيضاً، التأكيد على قدرات المرأة المتميزة في التعليم، وفي العمل أمر يجب ذكره، فنجاحها العلمي والوظيفي لا غبار عليه وجاء بمجهودها وتعبها.لكن، أعتقد أن للموضوع أسباباً أخرى، ومنها إصرار الغرب على جعل السياسات العامة والقوانين تصب في مجملها لصالح المرأة دون اكتراث بالرجل. فالرجل واحتياجاته وتمكينه وتشجيعه للانخراط في التعليم الجامعي -وفي أمور أخرى مفيدة- ليس من ضمن اهتمامات المشرع والسياسي الغربي. بل إن الغرب يخشى في نقاشاته العامة من ذكر الرجل واحتياجاته بشكل عام خوفاً من اتهامه بالشوفينية الذكورية «التعصب ضد المرأة» وغيرها من اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان. والمؤكد أن النسوية لعبت دوراً كبيراً في تهميش قضايا الرجل في النقاشات العامة، وفي المقابل كانت وراء تضخيم القضايا النسائية وإجبار صناع القرار على جعلها من الأولويات.والسؤال هو: إذا كان الغرب المتقدم وصاحب نظريات وسياسات المساواة والتمكين بأنواعها يواجه تحدياً يطال شبابه الرجال الآن وهو دليل على فشلها فما بال حالنا هنا في بلدان الشرق بعد أن اقتبسنا نفس السياسات والممارسات؛ فهل سنرى خلال سنوات، رجال شباب مهمشين كذلك لا ترغب فيهم الوظيفة ولا النساء؟