«تكابرين ترى» غالباً ما سمعت هذه العبارة.. لحظة.. أهي عبارة أم اتهام؟ لنقل إنها «صفة» غالباً ما نُطلقها على أولئك الذين يُظهرون عدم اهتمام بحدث ما، أو يبدون ملامح اللامبالاة تجاه ما يحدث من مشاكل أو ظروف أو موقف معين، أذكر أن صديقة لي في الجامعة أطلقت علي هذه الصفة، بعد خروجنا من امتحان مادة الفيزياء (الصعب)، سألتني كيف كان الامتحان؟ أجبت بعفوية: زين، لم تعجبها إجابتي، ورمقتني بنظرة حادة قالت لي بعدها: هاله دايماً تكابرين... وانصرفت، أذكر حينها أنني تساءلت بيني وبين نفسي، هل أكابر حقاً أم أنني فعلاً غير مهتمة؟
.
هل نكابر عندما نفقد الاهتمام أم ببساطة نحن نؤمن أن ما حدث قد حدث، وأن إعطاءه المزيد من الاهتمام قد يعرضنا لمشاعر سلبية نحن في غنى عنها؟ كثيرة هي التساؤلات، وكثيرة هي المواقف التي نتعرض لها كل يوم، ولنا حرية الاختيار، هل نبدي رد فعل عنيف؟ هل نصمت؟ هل نتقبل؟ والسؤال الأهم من ذلك هل ما حدث فعلاً يستحق عناء التفكير؟
.
أليست أحداث الحياة من حولنا تدور وفق إرادة الله؟ إذاً هل نؤمن أن ما يحدث لنا من أحداث هو أمر مقدر، وأن علينا أن نؤمن أنه مهما كانت شدة الحدث فإنه ماضٍ؟ أظن أن البعض منا لطالما عاش على هذا المبدأ، إن ما حدث قد حدث، وليس لنا القدرة على العودة بالزمن إلى الوراء وتغيير الأحداث، علينا تقبل الواقع والمضي قدماً، مهما كانت شدة الأمر فهو سيمر، لكن هذا لا يعني أن نظهر بمظهر المتقبل ونحن نكاد نحترق داخلياً مرارةً لما حدث، لأن هذا ما يسمى مكابرة.
.
المكابرة هي أن نبدي رد فعل عكسي لما نشعر به داخلياً، هو أن نتصنع البرود ونحن نشتعل غضباً، هو أن نظهر أننا لا نبالي، ونحن نختنق بكلمات تغص بها قلوبنا، نكابر يعني أننا لا نتقبل الحدث، ولكننا نصمت لأن لا حيلة لنا في تغيير الواقع، شتان ما بين أن نؤمن بأن الأحداث هي قدرٌ شأنه في يد الله وحده، وبين أن نكابر ونتصنع التقبل، بيد أننا نعيش في عالم غلبت عليه المكابرة على الإيمان، فلم نعد نتقبل ما نعيش من واقع وأحداث، ونتصنع الإيمان بقدر الله هروباً لا يقيناً بأن ما حدث فعلاً مقدر.
.
الخلاصة: خلقنا مسلمين مؤمنين بقدر الله، وأن الكثير من الأحداث من حولنا ليس لنا بها من سلطان، علينا أن نعي أننا في النهاية مجرد بشر، وأن الحياة تمضي والزمن لا يتوقف عند حدث أو موقف ما، تجاوز ما يحدث بالإيمان والتسليم، واجتهد لكيلا تقع فريسة لنفس الأحداث مراراً وتكراراً.