منذ أحداث 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، أي بعد مرور عام ويوم، انتهت جميع السبل التي حاولت السياسة الغربية من خلالها تقديم الأعذار للجيش الإسرائيلي. لم يعد هناك من يستطيع تبرير سلسلة الجرائم الانتقامية التي استمرت لأكثر من 365 يوماً. انتقام شامل طال كل شيء حي، لم يستثنِ حتى من هو في رحم أمه! قائلاً، لربما يكبر هذا الجنين يوماً، ويصبح جزءاً من المقاومة. إذن، لا تدع فرصة للأعذار، امسح كل مظاهر الحياة.
الحقيقة الواضحة اليوم هي أن الاحتلال نفذ على مدار عام كامل سياسة القتل الممنهج، مستهدفاً المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ، دون أي وازع أخلاقي أو رادع دولي. البيوت دمرت على رؤوس أصحابها، والقطاع المحاصر أصبح مسرحاً يومياً لمشاهد الموت والدمار تحت ذرائع واهية، بينما تجاهلت إسرائيل تماماً المواقف العربية والدولية، وضربت عرض الحائط بكل القرارات الأممية التي دعت إلى وقف القتال والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
لكن الجرائم الإسرائيلية لم تقتصر على فلسطين وحدها، بل توسعت بشكل متصاعد نحو دول الجوار. لا يمكن قبول الذرائع التي يرددها قادة الاحتلال بأن هذه الهجمات تأتي لضمان أمن إسرائيل وردع أعدائها. بل الواقع يكشف عن نية واضحة للشروع في خطة أكبر، وهي بناء «إسرائيل الكبرى». إسرائيل تنظر إلى لبنان على أنه بلد ضعيف ومنقسم على ذاته، يعاني من أزمات سياسية واجتماعية حادة، مما يجعله في مرمى التوسع الإسرائيلي. كما أن إسرائيل تعتبر سوريا، البلد الذي أنهكته الحرب وصراعات الأطراف المختلفة على أراضيه، هدفاً سهلاً لتحقيق طموحاتها التوسعية. هذا النهج لا يهدف فقط إلى السيطرة على الأراضي، بل هو جزء من مخطط أكبر يسعى لتغيير واقع المنطقة بالكامل.
هذه الجرائم التي ترتكب تحت مظلة ما تسميه إسرائيل بالدفاع عن أمنها القومي ليست إلا غطاءً لتنفيذ استراتيجية ممنهجة. الاحتلال يسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة، يبدأ بإنشاء مناطق فاصلة تخلو من سكانها الأصليين، لتتحول لاحقاً إلى مستوطنات جديدة، في إطار سياسة توسعية تهدف إلى القضاء على كل أثر للوجود العربي على هذه الأراضي. والواقع أن هذا السلوك ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من عقيدة راسخة لدى الاحتلال، تسعى إلى إقامة «دولة إسرائيل الكبرى».
هذا المشروع العقائدي ليس سراً ولا خيالاً، بل يتم الترويج له علناً من قبل ساسة الاحتلال والمفكرين الإسرائيليين، الذين لا يترددون في الإعلان عن نيتهم لإقامة «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات. أحدث هذه التصريحات جاء في مقال نشر في صحيفة «جيروسالم بوست»، للكاتب مارك فيش بعنوان «هل لبنان جزء من الأراضي الموعودة لإسرائيل؟»، حيث عرض فيه أدلة دينية يزعم أنها تبرر إقامة إسرائيل على أنقاض الدول العربية المجاورة. المقال يعكس التصور الإسرائيلي الواضح بأن حدود دولتهم لن تتوقف عند فلسطين، بل ستشمل أجزاء من دول عربية أخرى، تلبية لنبوءات مزعومة.
ورغم وضوح هذه المخططات والتصعيد الممنهج، يبقى الكيان المحتل عاجزاً عن التحكم في المصير النهائي. فالواقع الذي يحاولون فرضه في المنطقة هو مجرد محاولة للهروب من حتمية التاريخ. وكما قال الله تعالى: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين»، فإن كيدهم مهما بلغ سيواجه تدبير الله، الذي هو الأقوى والأبقى. في نهاية المطاف، ستعود الأرض لأصحابها الحقيقيين، وسيفشل المشروع الإسرائيلي مهما طال الزمن، أو قويت شوكتهم وكثر أعوانهم وخدمهم، لأن وعد الله حق، ووعده لا يتبدل.