غالباً ما نسمع كلمة مدمن، مدمن عمل، مدمن كحول، مدمن قهوة، مدمن ألعاب، وغيرها الكثير من المصطلحات التي تشير إلى الاعتياد المرضي على شيء ما أو فعل ما، ولكن... لماذا يعتاد الإنسان على شيء، لدرجة كبيرة جداً، حتى تستحيل الحياة بدونه؟ ماهي السعادة الخفية في الاعتياد، التي تجعل منا أسرى لهذا الشعور؟ فلا نعود نريد أن نتخلى عنه رغم الخسائر الأخرى، وهل يمكن أن نقول إن الاعتياد هو نفسه الإدمان؟ في الغالب، الاعتياد على فعل معين أو أمر معين لا يعني بالضرورة إدمانه، لكنه قد يصل مرحلة الإدمان عندما نعجز في الاستغناء عنه، فكل شيء نعتاد القيام به بلا قدرة على تركه، هو في حقيقة الأمر إدمان من نوع ما، مهما كان هذا الشيء، ومهما تفاوتت درجة الأذى المترتبة جراء الاعتياد عليه. في حقيقة الأمر، فإن كل شيء في هذه الحياة قابل للإدمان عليه، سواء كان هذا الشيء مادياً ملموساً، أو شعوراً، أو رغبة ما، لطالما عجزنا عن تركه، فقد تخطينا مرحلة الاعتياد الطبيعي إلى مرحلة الإدمان، ولكن ماهي القيمة التي يحصل عليها الإنسان جراء اعتياده على هذا الشيء؟ ما هو الشعور الذي يتملك الشخص المدمن ويجعله يعود مراراً وتكراراً لنفس العادة؟ إنه شعور (القدرة)، نعم القدرة والقوة المطلقة، لفعل مالا نستطيع فعله بكامل حضورنا الذهني ووعينا العقلي والجسدي، شعور قوة خفي، يجعل من يدمن على شيء يجد من خلاله متنفساً، ولذة تملأ قلبه بالسعادة، مدمن العمل على سبيل المثال، قد يعاني الكثير من الضغط النفسي والعقلي من المجتمع الذي يحيط به، فلا يجد لنفسه متنفساً إلا العمل، والعمل المجهد لساعات طويلة، الذي من خلاله يفقد الإحساس بالمكان والزمان، ويعزل عقله كلياً عن جل الأحداث التي تدور من حوله، فلا يعود يرى أو يسمع أو يفكر بشيء آخر سوى العمل، نشوة الإنجاز والنجاح تسيطر عليه كلياً. كما هو مدمن العمل مدمن الألعاب الإلكترونية أو مدمن الكحول أو المهلوسات العقلية، كلها في النهاية تؤدي إلى نفس الشعور، انفصال تام عن الواقع الملموس من حولنا، والانعزال في ركن بعيد عقلياً عما يحدث، في سبيل الوصول لنشوة مؤقتة سرعان ما تنتهي ليعود الوعي في الحضور، مما يتسبب في ألم نفسي شديد نتيجة فقد لذة الشعور، وفي محاولة يائسة لاسترجاعه، يعود المدمن لتكرار الفعل مراراً ومراراً في سبيل الإحساس بالقدرة التي فقدها في وعيه الكامل. الخلاصة: استرجع أحداث يومك كل مساء، وانتبه للأفعال التي اعتدت القيام بها يومياً، واسأل نفسك هل أستطيع أن أصحو غداً صباحاً، وأستغني كلياً عن فعل هذا الشيء لمدة يوم واحد فقط؟ إذا كانت إجابتك لا ... فأهلاً بك أنت مدمن.