«قم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، بهذا البيت الرائع المبجل افتتح أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الشهيرة التي يمدح فيها المعلم وقيمة العلم في حياتنا كمجتمعات وأفراد، هذه القصيدة قدمتها مكتوبة ابنتي الشيخة سارة صباح فهد الناصر الصباح -حفظها الله ورعاها- بعد ترجمتها للغة الإنجليزية كهدية لإدارة جامعة ستراسبورغ في حفل استلامها لشهادة دورة إدارة الأعمال الدولية «International business» في القصر الجامعي لجامعة ستراسبورغ العريقة يوم الجمعة 13 سبتمبر، هذه الدورة التدريبية الهامة والتي شارك فيها مجموعة من خيرة شباب الكويت أبناء جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا (Gust).

والحقيقة أن رفقتي لابنتي الشيخة سارة -حفظها الله ورعاها- كانت فرصة عظيمة للتعرف عن قرب على مدينة ستراسبورغ الفرنسية وتاريخها العريق، حيث افتتحت زيارتي لمدينة ستراسبورغ يوم 2 سبتمبر بجولة في أروقة جامعة ستراسبورغ العريقة ولقاء إدارة الجامعة والحديث المشوق عن تاريخ الجامعة والذي يمتد لقرابة خمسة قرون منذ عصر النهضة (تأسست 1631) ثم انقسامها إلى ثلاث مؤسسات تعليمية في سبعينات القرن الماضي ثم إعادة دمجها في كيان واحد مرة أخرى 1 يناير 2009، وهي إحدى أكبر وأعرق وأفضل الجامعات على مستوى العالم، ويكفي أنه تخرّج منها 18 حائزاً على جائزة نوبل، أبرزهم على سبيل المثال عالم الفيزياء الفرنسي لوي نيل نوبل 1970، وعالم الكيمياء الفرنسي جان ماري لين نوبل 1987، وعالم الأحياء الفرنسي جول هوفمان نوبل في الطب 2011، وعالم الكيمياء الفرنسي جان بيير سوفاج نوبل 2016، وإن تحدثنا بتفصيل عن خريجي الجامعة العريقة وأثرهم في تاريخ البشرية وجوائزهم سوف نحتاج إلى أن نفرد مقالات عديدة، وقد تضمنت جولتنا داخل الجامعة.

زيارة القصر الجامعي العريق والذي شيّده المعماري الألماني أوتو وارث بأمر الإمبراطور الألماني فيلهيلم الأول عام 1872، وافتتح عام 1884 وهو رمز للقوة والمعرفة حيث استوحى مهندسه روح عصر النهضة الأوروبي في تصميمه من خلال 36 تمثالاً على الواجهة تكريماً للشخصيات الرائدة في العلوم والفنون من عصر النهضة إلى القرن التاسع عشر.

وثاني محطاتنا كانت زيارة مقر البرلمان الأوروبي وهو واحد من ثلاث هيئات تمثل السلطة التشريعية في الاتحاد الأوروبي ويتكون من 705 أعضاء يتمّ انتخابهم بالاقتراع المباشر كل 5 سنوات، وله مقر آخر في بروكسل ولوكسمبورغ، ولكن تعود أهمية مقر ستراسبورغ لوقوعه في إقليم الألزاس والذي كان تاريخياً محل نزاع بين فرنسا وألمانيا وهو يرمز للمصالحة بينهما، كما أن البرلمان الأوروبي يدعم بقوة قضايا حقوق الإنسان على مستوى العالم ويقدّم جوائز عديدة أهمها جائزة سخاروف لحقوق الإنسان.

وثالث محطاتنا داخل المدينة العريقة كانت في المجلس الأوروبي في قصر أوروبا وهو المجلس الذي تأسس عام 1949 وهو منظمة دولية تضمّ 27 دولة وهدفها المعلن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون وأهم هيئاته المحكمة الأوروبية والمعنية بتطبيق الاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان.

ومع المحطة الأخيرة أعود مرة أخرى إلى ابنتي الشيخة سارة -حفظها الله ورعاها- وحفل تخرجها يوم الجمعة 13 سبتمبر والذي وافق ذكرى ميلاد ولدي الحبيب المغفور له بإذن الله الشيخ ناصر صباح فهد الصباح رحمه الله وجعل الجنة مثواه، وكأن القدر جمع المناسبتين في يوم واحد وهو يوم الجمعة المبارك كمواساة لي بين أبنائي الطلبة، وكم كنت أتمنى أن يكون ولدي الشيخ ناصر -رحمه الله وجعل الجنة مسكنه ومأواه- معهم كطالب وباحث، والحمد لله على قضاء الله ومشيئته، وأنه على غير عادتي في مثل هذا التاريخ من كل عام أتواجد في الحرم المكي لختم القرآن الكريم، وقد شاء القدر أن أتواجد هذا العام في الحرم الجامعي بين أبنائي طلبة الكويت المبتعثين، وكم كانوا نموذجاً للجهد والتفاني وواجهة مشرّفة للكويت لأنهم درع المستقبل وجنود الوطن، وبالرغم من تقلبات الطقس إلا أنهم لم يدّخروا جهدا وكانوا يشجعون بعضهم بعضاً في أجواء من الشكر والثناء على إدارة الجامعة ومرافقيهم المشرفين على الدورة التدريبية، الباحثة الأكاديمية Sarah Hertzog ومعها دكتور أحمد مليجي من جامعة الخليج، وهو ما لفت انتباه إدارة الجامعة لهذه الدفعة الاستثنائية المتميزة والتي وصفتهم أنهم يتحلون بأخلاق الفرسان وسلاح المعرفة، والحقيقة أن التعامل الراقي المهذب لإدارة الجامعة أمر يستحق أسمى آيات الشكر والتقدير، وقد أهديتهم مسبحة صناعة الكويت مصحوبة بشعار الكويت كرمز للتسامح بين كل المعتقدات والأديان.

وأحب أن أتوجّه بالشكر والتقدير لإدارة جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا (Gust) كإحدى القلاع التعليمية الهامة في الكويت على هذا الجهد والتخطيط من أجل مستقبل مشرق لوطننا الحبيب، وعلى إتاحة الفرصة للتواجد والتعرّف عن قرب على هذه المدينة العريقة وجامعتها الشهيرة.
وأخيراً أحب أن أقول إنه بالعلم والمعرفة تحيا الشعوب والأمم، وإن الاهتمام بالشباب واستنفار طاقتهم هو المحرك للتقدّم والتطور لخدمة المجتمع ورقيّه واستقامته، وإن مكافحة الفساد في أي مجتمع تبدأ بالاهتمام بالمبدعين من الشباب وإتاحة الفرصة لكي يتعرّفوا على ثقافات الشعوب الأخرى وعلومهم وكسر الجمود والتطرف الديني المعطّل لنهضة شعوب الشرق الأوسط عامة، أو كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابّي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر».