هل شعرت يوماً أنك تعيش حياة ليست حياتك المعتادة؟ وإنك تصحو كل يوم وكأنك غريب في دارك؟ هل نظرت يوماً إلى المرآة، وشعرت لوهلة وكأنك تنظر لشخص آخر لا لنفسك؟
هذا هو الشعور الذي يتملك الإنسان عندما يقع تحت ضغط المجتمع، والظروف، ويحاول الصمود دونما جدوى، وكأنه سقط فجأة في نهر ذي تيار قوي، يسحبه في اتجاه معاكس لما يفترض به الذهاب إليه، كثيرة هي المصطلحات التي تُطلق على من يمر بمثل هذه الحالة، لكن أحد هذه المصطلحات لفت نظري مؤخراً وأنا أتصفح إحدى المجلات الإلكترونية، إنه مصطلح «الاحتراق النفسي» جلست للحظات أتأمل الكلمة أمامي، ماذا يعني الاحتراق النفسي؟ بحثت مطوّلاً عن هذا المصطلح، وقرأت العديد والعديد من المقالات التي صنفته، ووضعت له تعريفاً ومسبّباً.
وفق ما كُتب عن الاحتراق النفسي، فإنه يصف حالة من الإجهاد العاطفي، والجسدي، والعقلي، التي قد تصيب الشخص نتيجة التعرّض المستمر لضغوط الحياة أو العمل، وإن أغلب من يصابون به هم من فئة الشباب، وذلك لعدة أسباب منها ضغوطات الدراسة والعمل والمجتمع، لكن اللافت في الأمر هو أن أحد أهم أسباب الاحتراق النفسي هو «التوقعات العالية» كما ذكر في العديد من التقارير، نعم التوقعات العالية، وهي ما يعرّف على أنه مجموعة من الضغوط النفسية التي يعاني منها الشباب نتيجة سعيهم لتحقيق النجاح إرضاءً للمجتمع وتحقيقاً لما هو متوقع منهم تحقيقه، بغضّ النظر عن رغباتهم الداخلية، وميولهم الحقيقي.
إن التفكير في الأمر وحده من هذا المنطلق مُجهد جداً، فما بالك بما يشعر به أولئك الذين وقعوا ضحية المجتمع وتوقعاته، أولئك الشباب الذين قضوا سنواتٍ طوالاً في محاولة لإرضاء كل من حولهم، حتى تسبّب لهم ذلك في النهاية، إلى الشعور بالألم الذي لا ينتهي، لم نُسلّم الآخرين زمام الأمور، ونعيش وفق توقعاتهم هم لا نحن؟ ولم أكثر من يعيش هذا الألم، هم من فئة الشباب صغار السن، الذين يفترض بهم بناء مجتمعات قوية، متحضرة، قادرة على مواكبة التغيرات السريعة في العالم من حولنا؟
قد تكون الإجابة في السؤال نفسه، نحن نربّي أبناءنا وفق قواعد المجتمع، نربّيهم على مبدأ أن المجتمع هو القاضي والحاكم، وما يفرضه من مبادئ وقوانين هي صحيحة غير قابلة للتعديل، وأن علينا إن أردنا التميّز، أن نسير وفق هذه القواعد والإرشادات، وإن كانت ضد رغباتنا واحتياجاتنا، نربّي أبناءنا على تدمير ذواتهم، نحن من كان المُسبّب الأول لما يعاني منه الشباب اليوم، علمناهم إنه لا ضرر من أن تحترق أنت في سبيل إرضاء الناس.
الخلاصة: إن الالتزام بالقواعد والتوقعات المجتمعية ومحاولة التشبث بها لا يعني أن ننسى أننا خُلِقنا لنعيش ونعمر الأرض كلٌ وفق قدراته، وإمكانياته، ومواهبه الفريدة من نوعها، لا يجب علينا أن ننسى أن لكل منا مميزات، ونحن لسنا كلنا سواء، علينا أن نكتشف الطريق والسبب الذي خُلِقنا لأجله، والسير في هذه الحياة وفق ما نستطيع أن نعمله، ونُبدع فيه، لا وفق ما نُجبر على عمله، إرضاءً لمن حولنا، ففي النهاية كل عمل سنُجبر عليه لن نُنجزه.