التقارب المصري التركي الذي تم بين البلدين مؤخراً، والمتمثل في زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأنقرة، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتوقيعهما 17 اتفاقية تعاون بين البلدين في مختلف المجالات، يمثل تحولاً، حيث من المتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 6 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار في السنوات المقبلة.
هذه الزيارة للرئيس المصري -والتي جاءت رداً على زيارة أردوغان للقاهرة في فبراير الماضي-، وضعت جماعة الإخوان المسلمين تحت إشكالية كبيرة، حيث بهذا التقارب التركي المصري، فإن مستقبل المصريين المنتمين لجماعة الإخوان أصبح مبهماً ومجهولاً، خاصة وأن هذه الجماعة كانت تتخذ من تركيا مقراً لمزاولة نشاطاتها التي في أغلبها موجهة ضد الدولة المصرية.
ولكن هذه الجماعة لم تلبث كثيراً حتى وأعلن الرجل الثاني فيها، وأعني حلمي الجزار نائب القائم بعمل المرشد العام، طلب تنظيم الإخوان رسمياً من السلطات المصرية العفو عن الجماعة، مقابل تخليها عن العمل السياسي وإطلاق سراح المعتقلين من عناصرها بالسجون المصرية، بحسب قناة «العربية» نقلاً عن قناة «الشرق» التابعة للإخوان والتي تبث من تركيا، وفي هذا تأكيد على أن هذه الجماعة خسرت كل شيء، بما فيها تركيا التي لم يعد حضنها هو الأنسب في ظل رغبة أردوغان بالالتفات لمتطلبات دولته وشعبه، وتعزيز تعاون بلاده مع دول خاض ضدها حرباً إعلامية ضروس ولسنوات بسبب هذا التنظيم، وفي مقدمتها مصر.
بمعنى آخر، أن هذه الجماعة تسعى الآن لهدم كل ما بنته خلال 11 عاماً من الخلاف بينها وبين الدولة المصرية، وذلك عبر إعلان رغبتها بالعفو والسماح عنها من مصر، مقابل أمور من أبرزها عدم عودتها لمعترك السياسة مجدداً وتنازلها التام عن ذلك، وربما تعد هذه المساومة -إن صح التعبير- مغرية لأي نظام حكم هو في خلاف طاحن مع هذه الجماعة، ولكن في اعتقادي لن يخلو الأمر من الدراسة والتمعن والتبين للتأكد من سلامة النوايا، وهذا شأن تعلمه مصر أكثر من غيرها.
إن مسألة العفو المصري عن هذه الجماعة متروك الآن لدى القيادة والشعب المصري، فهم أصحاب القرار، ومصر الشقيقة أعلم بشؤونها ومصالح دولتها، وما هو الأفضل لها ولمستقبل الجمهورية، سواء مع هذا التنظيم أو بدونه، وأظن أن الشعب المصري على دراية تامة بما هو مقبل عليه، والأهم من كل ذلك أن العرب، خاصة السعودية والإمارات والبحرين ستكون وبلا شك الداعمة الأولى لأي قرار تتخذه مصر.
حفظ الله أم الدنيا وشعبها وأدام عليها الأمن والأمان والازدهار.