مع إطلالة عام دراسي جديد وعودة المدرسين والطلبة إلى مقاعد الدراسة وبدء رحلة جديدة في التربية والتعليم والاندماج الاجتماعي في البيئات المدرسية، تحن الذاكرة إلى صور كثيرة مُتعددة عشنا ألوانها وملامحها وتذوقنا معانيها لحظة بلحظة في السنوات الأولى من خطواتنا في العمل والتعليم، هناك في مساحات مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين. مع بداية كل عام دراسي كنا نترقب استقبال الطلبة، والبدء في إعداد الأفكار المُناسبة المُساندة للمنهج، بما يُحقق الاستفادة المُثلى من البيئة المدرسية.
فالمنهج هو عبارة عن أداة يجب أن تُعزز بالعديد من الأفكار التي من شأنها أن تساهم في تطوير الجانب التعليمي لدى الطلبة، يصحبه الاهتمام بغرس القيم التربوية، والاهتمام بإدماج الطالب في المحيط المدرسي، والتربية بالمعايشة الاجتماعية، من أجل صقل شخصيته، وتدريبه على مخالطة الناس، والحوار، وقيم الاحترام والتقدير والامتنان والانضباط وغيرها. من هنا يجب أن يُحسن المُعلم أسلوب التعامل الأمثل مع هذه البيئة، ويستثمرها بالصورة المطلوبة إن صدق في مسعاه، وتيقن بأهمية دوره في هذه البيئة، بأن لا يكون دوراً تقليدياً روتينياً، بل إن دوره يجب أن يكون دور (المربي الحاني) الذي يعتبر كل فرد في المدرسة ابناً له يتعهده بالرعاية والتوجيه والتعليم والتربية. المعلم عليه أن يفخر بهذه المكانة التي ميّزه الله تعالى بها، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «مُعلّم الخير يستغفرُ له كل شيء حتى الحيتان في البحر». فإن استشعر كل مُعلم هذه المكانة وأهميتها، فإنه بلا ريب سيتمرس على إضفاء لمحات مهارية جميلة في أسلوب عمله داخل المنظومة الصفية.
الدقائق الأولى في كل حصة دراسية تُعد المدخل المهم لكسب الطلبة والتأثير فيهم وإنجاح موضوع الدراسة، فكنا نعتمد على أسلوب أريحية الحصة الدراسية وتعويد الطلبة وبخاصة في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية على محبة البيئة الصفية من خلال حب الصف والمقعد والطاولة وركن المكتبة، والعمل الفريقي من خلال مجموعات العمل الطلابية، وكنا نطلق اسماً على كل مجموعة يبقى معها حتى نهاية العام الدراسي، حتى فترات الراحة كان لها أهمية كبيرة في كسب قلوب الطلبة وحبهم للبيئة التعليمية. أما أسلوب الحوار، فكنا نعتمد على محاكاة الدروس من خلال التسجيل الصوتي، وإبراز الشخصيات المهمة في حياة الطالب، كالجد والصديق والحيوانات الأليفة بأسلوب يُقرب المعنى للطلبة، ويساعدهم على فهم المغزى وغرس القيم والمهارات. في تلك السنوات لم يكن لوسائل التواصل الاجتماعي ولا الهواتف الذكية المتطورة أي دور في المجتمع، وإلا لكنا قد استثمرناها أفضل استثمار في التدريس والتواصل، وفي طرح الأفكار الإبداعية في التربية والتعليم.
أما التواصل مع أولياء الأمور، فقد كان له أثر بالغ في نفوسنا كمدرسين، وما زال هذا الأثر بحمد الله تعالى بائناً كلما سنحت الفرصة اليوم للقاء ولي أمر تشرفنا بتدريس أبنائه في سنوت قد خلت. لم نكن نعتمد فقط على لقاء (اليوم المفتوح) فهو لقاء تحصيل حاصل في الالتقاء بولي الأمر، فكان التواصل شبه يومي، وكنا نعتمد على النشرة الأسبوعية في التعريف بمنهج الأسبوع والواجبات المدرسية والقيم التي نحرص على غرسها في نفوس الأبناء، فكان التواصل بمثابة الحلقة الأهم في تربية الابن المشتركة. كنا نستأنس بالتواصل مع أولياء الأمور الذين يشدون من أزرك في كثير من المواقف، ويكفيك فخراً بدعواتهم الطيبة، وبكلماتهم المُشجعة، والثمرات التي لمسوها في شخصيات أبنائهم، سواء على الصعيد التعليمي أو التربوي.
أجمل رسالة يجب أن نوصلها للمعنيين على شؤون التربية والتعليم، بأنه حان الأوان لتكون البيئة المدرسية بيئة إبداعية قائمة على المهارات والقيم الحياتية، وآن الأوان أن تكون هناك حصص مدرسية لمهارات الحياة، فضلاً عن أهمية اهتمام الهيئة الإدارية والتعليمية بالمدرسة بتنظيم مناشط مدرسية مُوجهة تساعد الطلبة على الاندماج الحياتي والمجتمعي، والتدريب على منهجية العطاء والأثر في المجتمع، وهذا يستلزم أن يكون المدرس على وعي تام بدوره الذي يجب أن لا يقتصر على «التعليم التقليدي»، بل بأسلوب قائم على التحدي، وعلى غرس المهارات، فهي فرصة من فرص التغيير في شخصيات أبناء المستقبل، واستثمار هواياتهم وتنمية ميولهم وصقل شخصياتهم، فهي رسالة حكيمة ومهمة في الحياة بأن نكون شركاء نجاح لمشروع «التربية والتعليم»، وأن ننفذ مُبادرات مدرسية مُبدعة تساهم في تنمية المهارات القيادية وقيم الحياة لدى الطلبة، وتأصيل دورهم في تنمية المجتمع. ولا يغيب عن الأنظار دور بقية مؤسسات المجتمع وبخاصة تلك المعنية بالدور التربوي والإنساني، فجميع هذه المؤسسات شركاء في المنظومة، يجب أن يساهموا بدورهم في تنفيذ العديد من المبادرات المدرسية واحتضان المواهب الطلابية التي يجب أن يكون دورها مؤثراً خارج حدود السور المدرسي.
ومضة أمل
تمنياتنا للهيئتين الإدارية والتعليمية بالمدارس بالتوفيق والسداد في أداء دورهم المنشود، وأن يكون عاماً دراسياً موفقاً ومُتميزاً، وكل التوفيق لأبنائنا الطلبة، حفظهم الله وسدد على طريق الخير خطاهم.