بعد ستة أسابيع من العمل المتواصل، أُسدل الستار بالأمس على «مدينة الشباب»، تلك الفعالية الشبابية الهادفة التي نجحت في احتواء الأطفال والشباب من خلال برامجها المتنوعة التي استوعبت جميع الفئات العمرية، حيث شملت هذه البرامج مجالات إعلامية وقيادية ورياضية وهندسية تناسب مختلف الأعمار والفئات، وقد كانت «مدينة الشباب» بالفعل فضاءً مفتوحاً للإبداع والتعلم والتطوير، مما أتاح للمشاركين الفرصة لاكتشاف قدراتهم وتنميتها بشكل فعّال.
كان لي الشرف بتقديم ورشة الكتابة الإبداعية للسنة السادسة على التوالي، وفي هذا العام تميزت الورشة بشكل خاص، حيث استطاع الطلبة إنتاج قصة مميزة بعنوان «تحفة دلمون المفقودة» خلال أسبوع واحد فقط، ولم تكن القصة مجرد كلمات كُتبت على الورق، بل كانت ثمرة تعاون بين مجموعة من المواهب المتنوعة، إذ تضافرت مهارات الكتابة مع الرسم والتصميم لإنتاج قصة مرسومة بشخصياتها ورسوماتها، مما أضفى على القصة بعداً بصرياً رائعاً، وشكّل لوحةً فنية متكاملة تنطق بالإبداع.
ومع نهاية هذا المشهد الإبداعي، وفي مساء الخميس، أُقيم حفل ختامي للاحتفاء بالمواهب وتكريم المتميزين في مختلف البرامج، وقد كانت لحظات مليئة بالفخر والفرح، إذ شاهدت هؤلاء الشباب يصعدون إلى المسرح، يتسلمون دروع التكريم، ويأخذون الصور التذكارية وسط تصفيق الحضور وتشجيع الأهل والأصدقاء، وتساءلت: وماذا بعد هذا التكريم؟ هل يكفي هذا الاحتفاء وهذه الصور لإشباع طموح هؤلاء الموهوبين، أم أن هناك خطوات أخرى يجب أن تُتّبع لتوجيه هذه الطاقات الكامنة نحو مستقبل أفضل؟
من هنا، تبلورت لديّ فكرة أودّ طرحها على سعادة وزيرة شؤون الشباب وسعادة رئيس صندوق العمل «تمكين»، وهي أن نبدأ بوضع قاعدة بيانات شاملة تضم كل موهوب ومتميّز، بحيث تحتوي على تفاصيل مواهبهم ومهاراتهم الشخصية، ثم يمكن من خلال هذه البيانات فرز الموهوبين وإعداد برنامج قيادي متكامل خلال عطلة الربيع، يشمل مختلف الفنون الإدارية والقيادية والفنية والأدبية، وذلك بهدف تنمية جميع الجوانب الشخصية لهؤلاء الشباب وصقل مهاراتهم بأسلوب عملي وممنهج.
يمكن لهذا البرنامج أن يكون مشابهاً للبرامج الأخرى مثل «تنمية الكوادر الحكومية» والبرنامج الوطني «لامع»، ولكنه سيكون مخصصاً حصرياً لموهوبي «مدينة الشباب» لهذا العام، مما يُتيح لنا فرصة التقييم المستمر واختيار أفضل المواهب لترشيحهم لتمثيل البحرين في المحافل الشبابية والعلمية الدولية، وهذا من شأنه أن يعزز من مكانة المملكة، ويظهر قدراتها الشابة على المستوى العالمي، بدلاً من الاقتصار على الوفود الرسمية من موظفي الوزارات والهيئات الحكومية.
إن «مدينة الشباب» يجب أن تكون البداية، لا النهاية، فهي خطوة أولى على طريق طويل نحو تمكين الشباب وتوجيههم ليكونوا قادة المستقبل ورواد التغيير، وعلينا أن نعمل جميعاً لتحويل هذه الفعالية إلى منصة انطلاق لمستقبل مشرق، وليس مجرد ذكرى عابرة تنتهي بنهاية الحفل الختامي، فلنصنع من «مدينة الشباب» مدينة لا تغفو، بل تستمر في بناء قادة المستقبل، وتفتح الآفاق لكل موهبة لتزدهر وتبهر العالم بإنجازاتها.