قبل سنوات طويلة زارني أحد الأصدقاء، وكان في حينها يتهيأ لمزاولة العمل السياسي، الذي كانت فاتحته مقعد في البرلمان، في ذلك اليوم قال لي: «سأذهب إلى سوق الكتب لأقتني كتاباً عن المصطلحات السياسية، وكتباً أخرى عن فنون السياسة» وحقيقة الأمر أن العمل في السياسة يحتاج إلى مهارات شخصية أكثر من حاجته إلى كتب ومؤلفات، فسلوك السياسيين نفسه يتحول إلى كتب تدرس فيما بعد، وإن كنت عزيزي القارئ من مربي القطط الذين يراقبون سلوك هذا الحيوان الأليف وتنوي العمل في مجال السياسة فلا تشغل نفسك بقراءة كتب فنون السياسة، فقطك مرشدك إلى العمل السياسي! نعم، فتعاملك مع قطك أو تعامله معك يمكن أن يكون دليلك للعمل السياسي الناجح، لا سيما وأن العلاقة بين الاثنين مبنية على استراتيجيات محددة أهمها، استراتيجية الصبر فالقطط عنيدة، ولا يمكن التعايش معها ما لم يكن مربيها صبوراً، والسياسي محتاج إلى الصبر في تعامله مع قضايا معقدة أو جهات من الصعب كسب تأييدها، وكذلك استراتيجية استثمار التودد والجاذبية، فالقط يعرف تماماً متى يستخدم جاذبيته ومتى يتودد لصاحبه ليحصل على ما يريد، واستراتيجية مواجهة المفاجآت، فمربي القطط يعرف جيداً أنها تتصرف بشكل غير متوقع، ويكون مستعداً لمواجهة المفاجآت وهذا ما يحتاج إليه السياسي، فالحياة السياسية مليئة بالمفاجآت التي تحتاج إلى شخص جاهز للتعامل معها، واستراتيجية العواطف، التي تبرع القطط في استخدامها مع أصحابها فهي تلعب على هذا الوتر، ولابد لأي سياسي من اللعب على عواطف العامة ليحقق هدفه. حتى نقاط التفوق في العمل السياسي، والتي نظمها روبرت غرين في كاتبه الشهر «48 قانوناً للسلطة» على هيئة قوانين، ووضع لها أمثلة واقعية من الحياة السياسية التي مضت، نجد سلوكيات القطط حاضرة في هذه النقاط ـ مع أنه لم يشر إلى القطط أي إشارة – فعلى سبيل المثال نجد قانون «لا تتفوق على السيد» والذي ينصح فيه السياسي بتجنب التفوق على من هم في السلطة، فالقط يشعر أنه سيد ولا يقبل بالمنافسة، ومربيها يشعرها بالتفوق ليكسبها إلى صالحه، وأيضاً قانون «اخف نواياك» نجد أن القطط تظهر اللامبالاة وتبدو غامضة، وكذلك السياسي يحتاج إلى عدم الكشف عن أوراقه لحلفائه وأعدائه على حد سواء، وقانون «تعلم كيف تبقي الناس معتمدين عليك» فالقط الذي تربيه يعتمد عليك كلياً في طعامه ورعايته، لكن مع مرور الوقت تعتمد عليه أنت ليزودك بجرعات من الترفيه، والسياسي الناجح يجعل الناس يعتمدون عليه، فيقدم لهم الحلول ويعمل على تحفيزهم، وأخيراً قانون «اسحق عدوك» الذي ينصح فيه صاحبه السياسي بالحسم وعدم ترك مجال للعودة في حال مواجهة الخصم، فنجد أن القط إذا قرر الاصطياد فإنه لا يترك فرصة لفريسة بالهرب. في الواقع العمل في السياسة يحتاج إلى مهارات إما أن يولد الإنسان بها أو أنه يكتسبها، وفي كلتا الحالتين مراقبتك لسلوك البشر وبعض الحيوانات ومنها القطط، وتحليلها تكسبك تلك المهارات أو تطورها لديك. * عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية