بعد وفاة رجل العمل الإنساني الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله تعالى، كتبت الكاتبة السودانية أميرة حسن مقالاً عنه، قالت فيه: «ورحل عن دنيانا الزائلة الرجل الإنسان الدكتور عبدالرحمن السميط، ذلك الرجل الذي وهب حياته لعمل الخير وخدمة الغير بلا مُقابل أو أجر، وترك العمل في مهنة الطب التي يطمح إليها الكثيرون وتفرغ للعمل الإنساني. وكان يهتم بفقراء أفريقيا وآسيا اهتماماً كبيراً حتى إنه اختار طوعاً أن يُقيم بصورة نهائية في جزيرة مدغشقر الفقيرة تاركاً وراءه الحياة المُرفهة في دولة الكويت حتى يتفرغ لرعاية الفقراء والمرضى».
كلمات بسيطة تعددت في مناسبات كثيرة أثناء حياته، وبعد مماته، لرجل وهب نفسه لله عز وجل وتفرغ لعمل الخير وخدمة المحتاجين.
سيبقى السميط الأثر الدائم في الحياة، وقد سار على نهجه ابنه د. عبدالله في نشر الخير وتمكين الإنسان في مختلف البلدان.
هناك العديد من الوقفات التي يجب أن نقفها من أطر حياة السميط، وقفات تُعلّمنا معنى الخلافة الحقيقية في الحياة التي كلّفنا الله تعالى بها، وماهية المشروعات ذات الأثر الممتد التي يجب أن نتبناها في حياة قصيرة. رحم الله الشيخ السميط فقد علّمنا معنى الحياة الحقيقية.
من يعمل في العمل الإنساني عليه أن يعي أهمية كل لحظة يعيشها في خدمة الإنسانية، عليه أن يتحرر من تلك القيود الوهمية التي يضعها البعض بغية النجاح وتحقيق التميز، عليه أن لا ينشغل بتفاهات المشكلات الإدارية اليومية التي تُعيق التقدم في العمل، وتُعيق تحقيق المشروعات التنموية ذات الأثر الممتد.
قبل أن نخدم الإنسانية يجب أن نعرف كيف نحيي معاني الإنساني في شخصياتنا، وكيف نتعايش مع قيم الحياة الجميلة. لا بد أن نفهم بعمق كيف نُعطي بلا مُقابل، ونُقدر العطاءات المُخلصة التي لا يمكن تعويضها في مسير العمل الإنساني. هناك عقول تنشغل بعمل الخير، وهناك عقول تنشغل بتفاهات التفرد الشخصي والبروز المهني على حساب الإنجاز الفريقي.
العمل الإنساني يحتاج إلى صفاء في الأذهان وصدق في النوايا والإخلاص في الأعمال، وإلى مشروعات نوعية ذات الأثر الممتد التي لا تركز على الأثر الحالي أو على بضعة أفراد، بل على الأثر الممتد الذي يُحدث نقلة نوعية في حياة الأفراد والمجتمعات، والذي ينعكس بصورة إيجابية على مناحي العمل.
عمل يُقدر الكفاءات والخبرات الإنسانية المُبدعة ويعطيها فرصة التغيير والتأثير المتبادل، ويقوم على استراتيجية عملية واضحة تتبناها العقول المُفكرة المُنجزة، فلا تعطي من خلال مجالاً للعقول البليدة المُتحفظة التي تتصيد في الماء العكر، والتي لا تنتبه لنفسها بقدر ما تنتبه لإنجازات الأفراد المُتعددة.
وحتى لا يقع العمل في مصيدة ديمومة الاهتمام بالجزئيات الصغيرة وبالمشكلات المُعيقة للتقدم، عليه أن يفقه بأن بساطة التعامل مع الأمور، تُعطينا بعداً إنسانياً مميزاً في تنفيذ المشروعات الهادفة.
فهكذا عاش السميط بعيداً عن وطنه لتحقيق الغايات والمقاصد النبيلة، عاش من أجل المبدأ وترك ما سوى ذلك، وعاش من أجل أن يصنع معنى الكرامة الحقيقية لكل محتاج، وترك من ورائه إرثاً مؤثراً ما زالت تتحدث عنه الأجيال، وترك عقولاً فذة مكّنها لتؤدي أدواراً مؤثرة في الحياة، وتبوأت المراكز المؤثرة في المجتمع.
العمل الإنساني تربية وقيم وإصلاح للمجتمع، وتربية الأجيال على معاني العطاء والبذل وحُب الوطن، وتحقيق معاني التكافل ونصرة الغير، والسعي في قضاء الحاجات، وأجمل الإضاءات حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر». تربية بتمكين الإنسان ليكون صاحب أثر في حياته، ومن أجل صناعة قدوات حقيقية في الحياة، تعتمد على نفسها، وتقوى بذاتها وعلاقتها بالله عز وجل.
العمل الإنساني عمل تمكين ونماء وإسعاد للمجتمع، لا تذهب جهوده هباءً في إطار مسارات هامشية بلا نتائج مُثمرة من ورائها، بل هو منظومة حياتية مؤثرة تغرس البذرة، وتحصد الثمار في كل يوم من أنفاس الحياة. عمل فيه نتاج حقيقي يركز على الواقع والخطة العملية، ويتجنب النظريات الفلسفية التي تُعطل الركب والإنتاج الحقيقي.
يقوم على إبداع الفكرة وتنفيذها وحُسن المُتابعة وبث الأمان والطمأنينة في نفوس جميع الشركاء، سواء المُستفيدين من الخدمات، أو الشركاء في تنفيذ الخدمة والذين يطمحون بأن تتعزز شراكتهم بالأثر الممتد. المحيط الإنساني بحاجة ماسة إلى تشبيك الجهود وربط المعلومات، وتقديم الخدمات الإنسانية الوطنية في إطار موحد، حتى يكون النتاج الحقيقي خدمات نوعية متكاملة على مستوى التربية والمعيشة والتمكين الحياتي، فالأهم بأن يكون لدينا عقول إنسانية مُثرية تخدم الوطن وتنشر الأثر، وتكون عناصر بناء فاعلة في أسرتها، ومن هنا تأتي الأدوار الأسرية المُكملة التي يجب أن تعي أدوارها الإنسانية جيداً في تربية الأبناء، وتعزز في نفوسهم قيم الحياة.
ومضة أمل
ستظل «نبراس الحياة الأجمل» كما عهدناك وإن تغيرت الظروف.