الاغتيالات خارج الحدود.. استراتيجية الدم الإسرائيلية
تشكل عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل هنية في قلب طهران ضربة موجعة وقوية للحركة، وتمثل في الوقت ذاته اختراقاً أمنياً مؤثراً، يكشف عن مدى ضعف أجهزة الاستخبارات الإيرانية في تأمين ضيوفهم، وخاصة مع نجاح إسرائيل بشكل نوعي في تجاوز الخطوط الحمراء وقدرتها على الوصول إلى أحد ألد أعدائها في قلب العاصمة الإيرانية، لذلك لم يستبعد محللون ومراقبون إمكانية وجود عملاء لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران، وخاصة أن حادثة الاغتيال جاءت عشية حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، حيث تعهد الأخير بإقامة علاقات بناءة مع المجتمع الدولي، بيد أن عملية الاغتيال والاختراق الأمني الكبير تمثل أحد أكبر التحديات أمام النظام الإيراني.
لكن التطور النوعي في تعامل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تكشف إلى أي مدى هي ماضية في استراتيجية الانتقام بالدم، من خلال تصفية القادة المؤثرين فيما يسمى «محور المقاومة» بدليل أنها استطاعت خلال 24 ساعة تصفية اثنين من كبار القادة السياسيين والعسكريين في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» و«حزب الله اللبناني»، في اختراق أمني واسع لكل من إيران ولبنان، حيث تمكنت قبل اغتيال هنية من تصفية القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر بغارة على الضاحية الجنوبية، فيما يصنف الأخير على أنه الذراع الأيمن للأمين العام للحزب حسن نصرالله، وهي ضربة موجعة أيضاً للحزب وتؤكد الفشل الأمني والاستخباراتي له، وكيف استطاعت إسرائيل أن تخترق حدود الحزب لتقوم بتصفية أحد أبرز القادة المؤثرين فيه في عقر داره بالضاحية الجنوبية.
وبطبيعة الحال، فإنه من المؤكد أن نتنياهو استفاد من الأجواء التي تعيشها السياسة الأمريكية، وخاصة مع انسحاب جو بايدن من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وزيادة حظوظ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الفوز بالانتخابات المقبلة وخاصة أن نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، ومرشحة الحزب الديمقراطي، والتي سيتم ترشيحها رسمياً في مؤتمر الحزب في شيكاغو في وقت لاحق هذا الشهر، لن تقدر على مجابهة ترامب.
والأمر الأكثر أهمية أنه لا يمكن تجاهل علم القيادة الأمريكية بأمر العمليتين، حتى وإن كانت ردود الأفعال الدبلوماسية تصر على تجاهل هذا العلم، في إشارة إلى مدى تطرف حكومة نتنياهو.
وفي تحليل للأحداث خلال الأيام المقبلة، ربما تشير الوقائع إلى أن منطقة الشرق الأوسط سوف تكون على فوهة بركان بعد تصفية هنية وشكر، ولا سيما أن حكومة نتنياهو تسعى لتوسعة نذر الحرب، بل تسعى لتوريط إيران وحلفائها في المنطقة في تغيير نوعي لقواعد الاشتباك من خلال «حزب الله» والميليشيات المؤيدة لطهران على أمل بقائها في السلطة، وخاصة أنه ليس لديها ما تفقده مع خفوت نجم نتنياهو وضعف شعبيته، مع توقع مراقبين ومحللين أنه إذا جرت انتخابات في الوقت الحالي فسوف يسقط نتنياهو وحلفاؤه سقوطاً مدوياً ولاسيما أن حكومته المتطرفة فقدت الدعم الشعبي وثقة الجمهور الإسرائيلي خاصة مع الفشل الذريع في القضاء على «حماس» وعجزه عن إتمام صفقة تبادل الأسرى مع الحركة.
الجدير بالذكر أن إسرائيل تنتهج سياسة التصفية والاغتيال باستراتيجية الدم خارج الحدود منذ زمن طويل، حيث نفذت مجموعة من العمليات الدموية والتصفيات الجسدية، لعل أبرزها، صالح العاروري أحد قادة حماس، الذي قتل في بيروت في 2024، وفادي البطش، العالم الفلسطيني، الذي اغتيل في ماليزيا في 2018، وعماد مغنية، زعيم الجناح العسكري لـ«حزب الله» الذي اغتيل في دمشق في 2008، وعز الدين الشيخ خليل من قادة ورموز «حماس»، الذي تمت تصفيته فى دمشق في 2004، وفتحي الشقاقي أحد أبرز مؤسسي حركة «الجهاد الإسلامي»، الذي قتل في مالطا في 1995، وعاطف بسيسو عضو حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، الذي تمت تصفيته في باريس في 1992، وخليل الوزير «أبو جهاد» الرجل الثاني في حركة «فتح»، الذي اغتيل في تونس 1980، وحسن علي سلامة عضو حركة «فتح»، ومنظمة «أيلول الأسود»، الذي قتل في بيروت في 1979، وكمال عدوان، القيادي البارز وأحد مؤسسي حركة فتح، الذي اغتيل في بيروت في 1973، والرسام الفلسطيني ناجي العلي، الذي تمت تصفيته في لندن في 1987، والأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي قتل فى بيروت في 1972، ومحمود همشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، الذي قتل في باريس في 1972، ومحمد الزواري مهندس الطائرات التونسي الذي كان عضواً في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة «حماس»، الذي اغتيل في تونس في 2016، وحسين البشير، ممثل منظمة فتح، الذي اغتيل في قبرص في 1973، والعالم المصري في الفيزياء النووية يحيى المشد الذي كان يقود البرنامج النووي العراقي، الذي اغتيل في باريس، في 1980، ووائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا، الذي تمت تصفيته في روما في 1972، وزيد مقصبي، ممثل حركة «فتح» الذي اغتيل في قبرص في 1973. كما نفذت إسرائيل عمليات اغتيال سرية بحق 4 علماء إيرانيين في طهران بين عامي 2010 و2012، وهم مسعود محمدي، ومجيد شهرياري، وداريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن، بهدف تخريب المنشآت النووية الإيرانية.