بين أيدينا آيات محكمات من القرآن الكريم ترسم للإنسان خارطة طريق كاملة في كيفية إدارة الأزمات التي قد تعتري الناس في مراحل حياتهم وفي كل جانب من الجوانب المعيشية سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي أو المؤسسي، وكيف يتعامل الإنسان مع هذه الأزمة ويديرها قبل وأثناء وبعد الأزمة.

إدارة الأزمات مصلح جديد نوعاً ما ولكن قبل ظهور هذا المصلح كان الناس في الحضارات السابقة يتعاملون مع الأزمة وفق الخبرات المكتسبة وممارستها وتداولها، حتى فندت الدراسات في علم الإدارة وعلم الاتصال من خلال نظريات ومفاهيم تدرّس اليوم للتعرّف على الأزمات بأسلوب علمي حضاري.

الأستاذ الدكتور زهير ضيف الأستاذ في الجامعة الأهلية عرّج على موضوع «الاتصال الاستراتيجي وإدارة الأزمات» في إحدى محاضراته العلمية للتعرّف على دور الاتصال بمختلف أشكاله في إدارة الأزمات في ظل ما يشهده العالم من تغيرات كبيرة ومتسارعة تتطلب تحقيق الاستقرار والتوازن. من خلال هذه المحاضرة استحضرت لدي بعض الآيات التي استوقفتني مع محاضرة إدارة الأزمات من سورة يوسف، هذه السورة العظيمة التي يستنبط متدبرو آياتها الكثير من العِبر التي تعينهم على الحياة وتبدّد المخاوف والقلق والانكسار، فقد كان الحلم الذي راود ملك مصر في البقرات السمان والسنبلات الخضر وفسره لهم سيدنا يوسف عليه السلام مدخلاً في إرشاد حاشية الملك كيفية التعامل مع الحلم في واقعه وكيفية إدارة الأزمة –كارثة القحط الذي سيعم على مصر وأقطارها– قبل وأثناء وبعد الأزمة، فما كان للملك إلا أن عيّن سيدنا يوسف عليه السلام على خزائن الأرض إيماناً باستراتيجيته الفذة في إدارة الأزمة قبل حدوثها لتفادي عاقبة السنوات التي تلي مواسم الخير والإنتاج والحصاد الوفير من خلال التدبير والتوفير وتخزين بعض المحاصيل وطريقة تخزينها، بل سيطر على الموقف برجع الصدى بعد التعامل مع الأزمة وما سيتحقق من انتعاش اقتصادي لمصر في سنوات القحط عندما تبرز مصر مكانتها في احتواء المشكلة إقليمياً بالنسبة للمحاصيل الزراعية.

الاستشهاد بالآيات القرآنية والنظريات والمفاهيم العلمية كثيراً ما يلتقي في نقطة في غاية الأهمية وهي تصحيح نهج الإنسان، إدارة الأزمات في سورة يوسف أعطت منهجاً جميلاً عندما يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، الحرص على أن يتم اختيار الرجل المناسب في تولي زمام الأمور في وقت يتطلب الجدية والفهم والدراية والحنكة في إدارة الأزمات حتى قبل وقوعها حتى يتفادى الخسائر الفادحة التي قد تعتري الدولة أو المؤسسة، وهذا ما يجعل أصحاب القرار تحت وطأة التفكير ملياً في الاختيار والتحميص العميق من أجل مصلحة الجميع والخروج من الأزمات بأقل الخسائر، تماماً كما تعاملت مملكة البحرين مع أزمة كورونا بنجاح لتكون تجربة حقيقية في فن إدارة الأزمات، قصة سيدنا يوسف فيها من التجارب المتعمقة في إدارة الأزمات نستنبط تجاربه الخالدة وتعامله عليه السلام في كل موقف.