عندما أُمِر سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يُؤذن للناس بالحج، صعد على جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليُثيبكم به الجنة ويُجيركم من عذاب الناس فحُجوا. فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء، لبيك اللهم لبيك. فمن أجاب يومئذ حج على قدر الإجابة، إن أجاب مرة فمرة، وإن أجاب مرتين فمرتين، وجرت التلبية على ذلك. وعندما صاح النبي صلى الله عليه وسلم صيحة عالية عند صعوده على جبل الصفا ذات يوم، ونادى بطون قريش يدعوهم، فلما اجتمعوا قال: «أريتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي بسفح هذا الجبل تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصدقيَّ؟». ثم قال عليه الصلاة والسلام: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل رأى العدوَّ فانطلق يربأ أهله. يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضراً ولا نفعاً، ولا أغني عنكم من الله شيئاً».
عندما نستذكر أثر مثل هذه المقامات الحياتية والتي انتقل أثرها إلى أنفاس حياتنا الحالية، فإنما نستذكر مقامات لها الأثر الكبير في ولوجنا إلى مساحات الخير، وإلى أن نكون اليوم قامات مُتفردة في مواطن حياتها. لقد بلّغ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعوته وجهر بها على جبل الصفا الذي مازلنا نرتقي عليه كلما سعينا بين الصفا والمروة، كما نُلبي اليوم دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام التي مازالت ترن في مسامعنا كلما اختارنا المولى الكريم لنكون ضمن وفوده في حج بيت الله الحرام. لقد تفرّدت العديد من الشخصيات في أسلوب أثرها في الحياة، ولكل شخصية أثرها في نشر الخير وفي التأثير على شخصيات الأجيال المُتعاقبة. وتفرّد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم في أثره في جميع مناحي الحياة وكان إسلاماً مؤثراً يمشي على الأرض، فكل خطواتنا في الحياة إنما تحكي أثره عليه السلام في حياتنا إن استطعنا أن نقتفي أثره ونعيش في ظلال سنته.
لذا فإنما يُحاول البعض بأن يجد بديلاً ناجحاً عن بعض المؤثرين والمُنتجين الذين أثروا بالخير على مناحي حياة الآخرين، والذين استطاعوا بصفاتهم وشغفهم وحُبهم للعطاء والخير وصدقهم مع الله عز وجل أن يُلهموا الحياة بأسلوبهم الفريد، وبنتاج أعمالهم المُبدعة. ولكنك تكتشف أن بعض الشخصيات عندما ترحل أو يُكتب لها أن تستبعد عن بعض مواطن النجاح والتأثير والإنتاجية، فإن الخطوات ستستمر، ولكن بفكر آخر وبنتاج آخر لا يُعوض ذلك الفكر الجميل المُبدع المتفرد في أسلوب عطائه، فمن المستحيل أن تتشابه معها عطاءات التغيير. مقامات الحياة في حياتنا يتفرد بأسلوب إضاءاتها المُشرقة أولئك الذين شغلوا أنفسهم بإرضاء الله تعالى، وكانت حياتهم كلها لله، فهم ينطلقون من منطلقات إخلاص الأعمال وابتغاء الأجور، وذاتية العطاء، والإنجاز المُتجدد، والعطاء الفريد، والأفكار المُبدعة، وقيم التأثير في الآخرين. من هنا فلن يجدي نفعاً في بعض الأحيان «التغيير» من أجل التغيير فقط، بل التغيير إنما يكون بالفوز بتلك القامات التي استطاعت أن تورث أعمالها وتعطي لتنشر الأثر، ولها القبول الواسع بين الناس ومحبتهم والتي تدفع للإنجاز والنجاح في كافة مقامات الحياة.
هناك شخصيات تؤثر في نفسك عند رحيلها، وتجعلك تعيد حساباتك، وتراجع نفسك في جوانب التميز التي تفرّدت بها هذه الشخصية والتي تحدث عنها كل من عاصرها وعاش معها. هنا يأتي «هتاف النفس الداخلي» الذي يدفعك دفعاً لسد الثغرات في إيمانك، ونفض الغبار عن قاعدتك الإيمانية التي هي أساس التغيير في الحياة. لذا كان واجب التأسي بقامات حياتية متميزة من أجل أن نصل إلى مقامات التأثير المتعددة، والتي نبتغيها من أجل سيرنا نحو الآخرة. هناك شخصيات في بعض المحطات تجعلك تتشبث بها في مجال تأثيرها وعطائها وأسلوب تعاملها، فهي تبقى في هذه المساحات رمزاً من رموز التأثير الذي يجدر الاستفادة منها في إنجاح كافة محطات المسير وأعمال خلافة الله تعالى في الأرض، فهي تمتلك خبرة ناضجة وحنكة حياتية وبناء متقناً للأعمال.
ومضة أمل
تصل إلى محطة ما، تستشعر فيها حاجتك الماسّة للراحة وإعادة الحسابات وتطهير الفكر والنفس مما علق بها من غبار الحياة. محطة تدرك فيها حاجتك إلى «التغيير» وأن تنطلق مجدداً في مساحات أخرى تستكمل فيها عطاء الأثر الجميل. قيمك التي تحملها بشعارك «ويبقى الأثر» لن تتغير وإن تغيرت المساحات، لأنك على يقين بمعية الله تعالى ورزقه وتوفيقه. الحياة تحتاج إلى صبر من أجل تحقيق الغايات، وإحياء المشروعات المُعطلة، والانطلاق بجد وأمل وابتسامة مُشرقة نحو تحقيق الآمال الكبار، واستنهاض الهمم من أجل الفردوس الأعلى. فأنت اليوم في مرحلة بناء وميلاد جديد فلا تحزن.