قبل أيام، تجمعنا أنا وإخوتي في بيت أبي، وفي المساء قررنا أن تكون وجبة العشاء بسيطة واقتصادية، فاخترنا لها خبز الخباز، هذا المنتج الذي أصبح قليل الظهور على قائمتنا منذ زمن طويل. المثير للدهشة أن فكرة تقليص الميزانية لم تكن فقط فكرتنا، بل يبدو أن خباز الفريج نفسه قد تبنى هذه الفكرة قبلنا! فالرغيف الكبير الذي لم يكن ينفد رغم التنتيف المستمر في الطريق من المخبز إلى المنزل، وجدته قد تقلص حتى أصبح تقريباً بحجم كف يدي، على الرغم من أن يدي «دبل سايز» كما يقول أصدقائي. ما الذي جعل الخبز يتقلص هكذا، تماماً كما تقلصت ميزانيتنا؟

الملاحظ لدى العامة أن بعض المخابز باتت تجري تعديلات مبتكرة على الرغيف، فإما أن تُصغر حجمه أو تُخفض سُمكه حتى يكاد يشبه خبز الرقاق. يبدو أن الحرفيين وراء الأفران قد استبدلوا ميزان العدل بميزان الربح، متناسين أن الخبز ليس مجرد سلعة تجارية، بل هو قوت وأمر أساسي لدى كثير من الناس.

وفي هذا السياق، يبرز التساؤل الأهم، أين هي جهود وزارة الصناعة والتجارة في مراقبة وردع هذه الممارسات؟ من المفترض أن تلعب الوزارة دوراً حاسماً في ضمان عدم التلاعب بأساسيات الحياة، لكن يبدو أن تركيزها ينحصر خلال شهر رمضان في التجول بين المحلات الكبيرة ذات الأجواء المكيفة.

نقطة مهمة هي أن الدولة تقدم دعماً كبيراً للقمح ومنتجاته، وأن الدقيق الذي توفره لغير المخابز ينال جزءاً كبيراً من هذا الدعم أيضاً. الأسعار الحالية في السوق في متناول الجميع ويستفيد منها المواطن والمقيم، المستهلك والتاجر. هذا الدعم هو جزء من سلة الأمن الغذائي للمجتمع ويُعد خطاً أحمر لكل من المستهلكين والدولة، ولا يجب استغلاله بأي شكل.

وتبقى نقطة أخرى غريبة هي وجود مخابز في أماكن تكاد تخلو من المارة أو مظاهر الحياة العادية. هل تُرى هذه المخابز تُستخدم كغطاء لاستلام الدقيق المدعوم وبيعه بأسعار مرتفعة؟ أم أن أصحابها من الناس الذين اعتادوا خبز خبزهم في البيت؟ إنها قضية تستحق التدقيق والمتابعة.

القلق المتزايد في المجتمع من ارتفاع أسعار الدقيق لا يقتصر على تأثيره على المخبوزات فحسب، بل يمتد ليشمل تقريباً كل جانب من جوانب غذائنا اليومي. هذا الارتفاع، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، يهدد بزيادة العبء المالي على كاهل الأسر في البحرين. الزيادة المقترحة من قبل المطاحن واضحة، ولا تمس «منتجات الدقيق الرئيسية الخاضعة للرقابة للمخابز التقليدية والمنتجات المدعومة»، إلا أن استنفار المطاعم والمقاهي ومحلات الحلويات والبقالات ومحلات الكرك والمناجر والورش الصناعية حاضر. فكل شيء يرتبط ببعضه ويؤثر في بعضه الآخر، وكما لم تفهم شيئاً عزيزي القارئ، كذلك لن تفهم لماذا سترتفع أسعار أغلب السلع والخدمات التي لا علاقة لها بالدقيق أساساً. فالإجابة البسيطة التي سنجدها من أصحاب السوق هي «كل شيء ارتفع، لذا رفعنا الأسعار» «الدولة ترفع واحنا نكبس».

في ختام الأمر، يظل الخبز نعمة ورمزاً لأساسيات الحياة في مجتمعنا، وإن قل وجوده على موائدنا. وعلى الجهات المعنية واجب أن تتدخل لضمان ألا تتأثر هذه النعمة. وربما حان الوقت للتفكير في حلول مستدامة، مثل الاستثمار في المخابز الآلية، لضمان توفير خبز عالي الجودة لكل مائدة بأسعار معقولة وبحجم طبيعي وبشكل يضمن أن يصل دعم الدولة للجميع.