لا يخفى على أحد منا اليوم الهوس الذي يعيشه البشر في محاولاتهم لجذب الانتباه في مختلف مجالات الحياة، فهوس الشهرة والتفاعل الوهمي والأرقام أصبح هاجساً لدى شريحة كبيرة من البشر، ولا يمكن حصر هذه الظاهرة في شريحة معينة من الجيل الجديد أو جيل الألفية، فالواقع يؤكد لنا أن هذا الهوس قد نال من شرائح مختلفة ومتنوعة من الناس، يكفيك أن تتصفح شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصتي تيك توك وإنستغرام، لتلاحظ أن الأطفال والمراهقين ليسوا هم الوحيدين بل هناك آباء وأجداد يفعلون اللامعقول واللامقبول على هذه الصفحات، فالناس باتوا مستعدين لفعل أي شيء لحصد المشاهدات وجذب الانتباه والشعور بالأهمية في عالم افتراضي وهمي.
حياتنا اليومية أصبحت مليئة بالمشاهد التي تعكس هذا الهوس اليوم، فعندما تدخل إلى مقهى ترى العديد من الأشخاص يصورون المكان والقهوة والحلويات، وكل ذلك فقط لصنع محتوى يومياتهم وعرضها للمتابعين دون مقابل، هذا السلوك لم يعد مقتصراً على الشباب، بل أصبح يشمل جميع الأعمار في مختلف الأماكن، فالخصوصية باتت معدومة لدى الكثيرين.
ظاهرة جديدة بدأت بالظهور في الأندية الرياضية، فترى بعض رواد الأندية يتجولون بحامل الكاميرا لتصوير تمارينهم ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، فأصبح النادي مكاناً لصنع المحتوى أكثر من كونه مكاناً للتمرين، من الممكن تفهم فكرة المدرب الشخصي الذي يعرض محتوى علمياً، ولكن عندما يتعلق الأمر بأشخاص عاديين يبحثون فقط عن التفاعل، فإن الأمور قد خرجت عن السيطرة، فبعد أن كان رواد الجم يتحركون بأدوات رياضية وإكسسوارات تعكس وجودهم في النادي، باتوا يتجولون بكاميرا و«ترايبود»!
إن هوس الناس بشبكات التواصل الاجتماعي قد حول حياة بعض الناس إلى عالم خيالي بعيد عن الواقع، لذلك نجد أشخاصاً كانوا اجتماعيين جداً أصبحوا منعزلين، ويعانون من قصور في الذكاء العاطفي بسبب ارتباطهم بعالم وهمي، فهذا العالم الافتراضي أصبح يحل محل التفاعل الاجتماعي الحقيقي، ما يجعلهم يواجهون صعوبة في التعامل مع الناس في الواقع. الحديث هنا يطول وهي مشكلة تحتاج إلى كثير منال دراسة والتحليل، فيجب علينا أن ندرك أن هذا الهوس ليس مجرد ظاهرة سطحية، بل هو انعكاس لتغيرات اجتماعية عميقة، فالبحث عن الإعجابات والتفاعل أصبح جزءاً من هوية الناس في العصر الرقمي! فينبغي علينا دائماً أن نذكر أنفسنا أولاً والناس من حولنا أن الحياة الحقيقية تحدث خارج شاشات هواتفنا، فالتواصل الحقيقي، والعلاقات الإنسانية، والتجارب الواقعية هي ما يجعل حياتنا غنية ومليئة بالمعنى.