يقول لي أحدهم: «لدينا أعداد كبيرة دائماً ناقدة ومتشائمة، وهذه ظاهرة باتت ملاحظة». فأجيبه بكل بساطة: «ابحث عن الأسباب»!
نعم، فردات الفعل لا تكون عشوائية، ولا تكون غير مبررة، بل هناك محفزات لها، سواء أكانت منطقية عقلانية أم لا، لكن بغض النظر، إذ حينما تريد رصد «نبض الشارع» عليك متابعة ردات فعله تجاه قضايا معينة، بالأخص القضايا الحساسة التي تمس البشر في حياتهم، وتكون لها تأثيرات مباشرة عليهم.
و«لماذا تعتبرهم متحلطمين ومتشائمين»؟! اسأل صديقي. فيقول بأنه «لا يعجبهم العجب»!
هنا للأسف نتحدث عن نظرة عامة يتبناها كثيرون ممن «أياديهم ليست في النار» بل في الماء البارد، ورغم ذلك يمنحون أنفسهم حق الحكم على شرائح تعاني من هموم أو مؤرقات أو مشاكل ولها أوضاعها وخصوصيتها. وهنا نعود للقول بأن «خير تشخيص» لحالات المجتمع تأتي من أشخاص يعرفونه تماماً، ويصلون لكل موقع فيه للتقصي وجمع المعلومات، والأهم قدرتهم على الوصول إلى «المواقع المظلمة الخفية» من هذا المجتمع، وأعني بها تلك التي لا تكشف نفسها بوضوح، وبوصولك لها، ستجد هناك «المتخفين» بهمومهم من شريحة «المتعففين» الذين لا تسأل الناس إلحافاً ولا تطلب ولا تكشف معاناتها، وهنا التحدي الأكبر بالوصول لهؤلاء.
طيب، بعيداً عن الفلسفة التي لا نحتاجها؛ لأن الحديث هنا واضح تماماً، «الاستياء» قد يكون نتيجة لوجود انطباع بأن الأمور لا تتصلح بل تتفاقم، وللقضاء عليه وإبدال التحلطم والتشاؤم بـ»الإشادة والتفاؤل»، لابد من إثبات واقعي وحقيقي لوجود عمليات إصلاح وتصحيح، بموازاتها عمليات محاسبة وعدم التجاوز عن الأخطاء، خاصة تلك المتعمدة والتي تتم بـ«فعل فاعل» ونتج عنها الإضرار بالبلد وأهله.
بمعنى أنه حينما يرى الناس الجدية والسعي الحثيث للوصول للحقيقية ولوضع اليد على الخلل ولمحاسبة من تجاوز النظام والقوانين واستغل الثغرات لتحقيق مصالح شخصية، هنا حينما يرى الناس «الإصلاح والتصحيح»، ويرون النتائج المؤثرة، فستجد هذا المتحلطم سابقاً والمتشائم دائماً أول من يحدوه الأمل لرؤية التغيير نحو الأفضل ولاختبار «الإصلاح» بنتائجه وما سيحققه من أمور قد تقع ضمن مطالبات الناس سابقاً.
يقول لي: «كلامك إيجابي وطيب، لكن بعض القضايا صعب إعادة عجلة الوقت فيها وإصلاحها»، ما يعني وفق أمثالنا الخليجية الشهيرة «عقب ما شربت مروقها»!
هنا أقول مجدداً: لا أبداً، ولا قضية أو حالة أو ظاهرة يمكن التسليم بأنه لا يمكن العودة لها والتدقيق عليها وتصحيح مساراتها، بل وإلغاء أخطائها ومحاسبة من تسبب فيها. نعم عجلة الزمن لا ترجع للوراء، لكن بالإمكان إيقاف الأخطاء وتداعياتها التي خلفها الزمن ومن تسببوا فيها حتى لا تتفاقم في المستقبل، الأهم هنا وضع حد للخطأ والعمل بإخلاص ونوايا صادقة وجادة لتصحيحه.
وهنا لدي قناعة دائمة أرددها وأكتبها بين الآونة والأخرى، علها تذكرنا وأنا أولكم بأساس الإصلاح وجوهر حل المشكلات، وأقول فيها: «العيش في الفضيلة يحتاج لمن يؤمن بها، وتحقيق مبدأ الصواب ونبذ الخطأ يحتاج لمن يعترف بوجود الخطأ مقابل الإيمان بوجود الصواب. حل المشاكل لا يكون بالتمني والكلام، بل بالاعتراف بالمشكلة ووضع اليد على الجرح، وإبدالها بالصحيح. والأهم يحتاج نوايا صادقة همها تبديد الظلمة بإحلال النور».