تلك الأشواق المُتجددة في حياتنا، وجبر الخواطر التي يسوقها إلينا المولى الكريم في رحلتنا في هذه الحياة القصيرة، هي الأشواق الجميلة التي كلما فترنا أو تناقصت همتنا نحو الآخرة أو عمل الخير أو غصنا في بحور الهموم والمشكلات العقيمة، كلما جُبرت خواطرنا بأجمل الأشواق، وكلما سرنا في أجمل المحطات، لنطهر النفوس ونستمسك بحبل الله القويم. فهو الحبل الذي نتمسك به من أجل بلوغ غاياتنا نحو الفردوس الأعلى ورضا المولى الكريم، ومحبته الغامرة وما أجمل حب الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كُنّ فيه وجد بهنّ طعم الإيمان، ومنها: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما..».
هكذا نسير في هذه الحياة، بأمواجها المتلاطمة، وبأحوالها غير المُستقرة، بأفراحها وأحزانها، بهمومها وطمأنيتها وسكينتها، وكلها أحوال تأتي على المرء بين الفينة والأخرى، من أجل أن يُقدر غاية خلقه، ويستشعر أثره في الحياة، ويفهم مقصوده فيها، ويستيقن سويعات وجوده فيها. قال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثلُ الدنيا كراكب استظلَّ تحت شجرة ثم راحَ وتركها».
نسير فيها ونعرف حجمنا، ونعرف النهاية المحتومة في هذه الرحلة، بأنها ستكون يوماً ما انتقال من حياة دنيوية إلى حياة أخروية مروراً بحياة البرزخ.
إنها حقائق يجب أن نذكر بها أنفسنا ونحن نعيش «أشواق الحياة»، فبها تتجدد نياتنا وبها نصدق مع الله تعالى في سعينا في أعمال الخير.
أشواقنا في الحياة إنما تتجدد بمثل هذه المعاني وبمثل هذه النوايا. تتجدد بصفاء القلوب وجمال الأخلاق وسكينة التعامل مع مواقف الحياة المُتعددة.
فها هو الحاج وقد انتهت محطة «أجمل رحلة» في حياته، وعاد مُفعماً بأجمل المشاعر إلى وطنه، لتبدأ صفحات جديدة من الخير، يكتبها في فصول أيامه، وعاد كما كان يرجو بإذن الله تعالى «كيوم ولدته أمه»، في ميلاد حياتي جديد، تتجدد فيها كل المعاني التي عاشها من قبل، ويتخلى عن كل العوالق الدنيوية، ويهجر كل تلك النفوس المؤذية، وكل المحطات المُزعجة التي كانت له هماً في مسيره. رجع الحاج وقد طاف بالبيت يودعه بأشواقه المُحبة لأرض مكة خير البقاع، ودّع البيت وودع وهجر كل هوامش الحياة، بعد أن طاف وسعى ورمى الجمرات ورمى كل أهوائه وكل نزغات نفسه ونزغات الشيطان، وبعد أن كبّر في أرض منى العامرة بالخيرة، وبعد أن عاش أجمل اللحظات في أرض عرفات، وبعد أن لبّى وكبّر وهلّل، وبعد أن عانق أجواء الآخرة، بصور تلك الأفواج المُهيبة التي نفرت من عرفات إلى مزدلفة في موقف يُذكر بمواقف الآخرة.
أما غير الحاج فقد عاش الأشواق الجميلة في يوم عرفة، بصيامه وأعماله الجليلة من ذكر وصدقة ودعاء، وبلقاء الأحباب في يوم عيد الأضحى المبارك، فاستذكر كل معاني الخير واستذكر النعم الكثيرة التي أسبغها المولى الكريم علينا في محطات حياتنا. هكذا هي أشواق الحياة، يعشيها المرء في كل محطة تستقر فيها قدمه، وفي كل مساحات يتنفس فيها الخير.
إنها جبر الخواطر من الكريم الذي أحبنا وأحب أن نكون في أجمل الأشواق، وأحب أن نلقاه بأجمل الأعمال.
أشواق تتجدد معانيها في مسيرنا في هذه الحياة. وتبقى النتيجة والأثر المرجو بأن يكون يومنا خيراً من أمسنا، وغدنا خيراً من يومنا، وأن نكون الصفحة المُتجددة التي لا تقبل أن تعود إلى الوراء، ولا أن تُثقل قلبها النابض بالخير بهموم العيش ولا بمشكلات البشر وبأفكارهم العقيمة أحياناً، فهمها أن تكون الصفحة التي تكتب أثر الخير في الحياة، وأن تعيش من أجل العطاء الأجمل، فلا تنشغل بالهتافات الصمّاء، ولا بالفكر العقيم، بل تُعطي من أجل العطاء، وأشواقها دائماً ترنو لسحائب المعروف، فتستثمر فيها كل فرصة للخير، وتعطي في محطات أجمل يُقدر فيها فكرها ونضجها وأثرها المُتجدد.
أنت مُلزم اليوم بأن لا تقف مكتوف اليدين تبكي على الماء المسكوب، بل عليك أن تستذكر كل الأشواق الجميلة التي تعيشها في لحظات يومك وتلك الآثار الجميلة التي أبدعت فيها، فهي رزق ساقه المولى لك ليجبر بخاطرك، ويجدد لحظات حياتك.
مُلزم أن تبقى علاقتك مع مولاك صادقة قريبة في كل وقت، وليست مرتبطة بأوقات ما في الحياة، علاقة قائمة على الحُب الصادق، والنوايا الخيّرة، فبها يحصل التوفيق وتتجدد الأرزاق، وتطمئن القلوب بسكينة غامرة.
تلك الأشواق تبتغي منك بأن تكون حامداً لله تعالى شاكراً له على نعمائه وعلى أن اصطفاك من خلقه لتكون في محطات الخير، ولتكون شامة يُشار إليها بالبنان، بأعمالك الجميلة وصفاء نفسك.
فكن له من الشاكرين الذاكرين الحامدين في كل أوقاتك، وكن العبد الراضي الشكور الذي يُبلغ رسالة مولاه بحب على هذه البسيطة.
ومضة أمل هي الأشواق الجميلة التي تُجمّل لنا معاني الخير في هذه الحياة. فاللهم لك الحمد والشكر على نعمائك.