«خير اشعندج.. أغاني عاطفية وموسيقى وشعر.. أكيد في شي وأنا آخر من يعلم»؛ هذا كان ردة فعل إحدى متابعات لصديقة لي بعد نشرها مقطعاً لأغنية عاطفية على صفحتها في انستغرام.

وأخبرتني نفس الصديقة أنها أصبحت تتردد بالنشر على صفحتها خوفاً من تفسير المتابعين، والتي بالتأكيد ليس حقيقية، وليس لها أي أصل. وتابعت الأغنية التي نشرتها على صفحتي كانت من الأغاني التي يحبها الوالد، رحمه الله، وكنت أشعر بالحنين له في أيام العيد، ولكن أكثر المتابعين تحولوا إلى محللين وأطلقوا فرضياتهم وتوقعاتهم. (انتهى).

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لمختلف الفئات والأعمار، تحولت حياتنا الخاصة في أغلبها إلى نافذة مفتوحة لكل من هب ودب، يعرفون عنا مزاجنا وسفراتنا وأكلاتنا ومناسباتنا الخاصة، إلى هنا والأمر قد يكون مقبولاً، لأن من ينشر يعرف أنه في فضاء مفتوح، وأن الجميع له الحق في المتابعة والمعرفة.

ولكن ما ليس مقبولاً أن يتحول هذا «الجاسوس» إلى محلل أيضاً، يفترض ما ليس حقيقة، بل ويعمل على نشر ما يستنتجه وكأنه حقيقة، فيحلل نشر أغنية عاطفية بأنها قصة حب جديدة، وأن بيت شعر غاصباً يمثل انتكاسة في العمل، وأن سفرة سريعة لتغير الجو والترفيه أو شراء شيء بسيط تعني هبوط ثروة مليونية عليك من السماء.

دواخلنا وعواطفنا ومشاعرنا ملك خاص لنا؛ فإذا اطلعت على أحداث أو مناسبات فليس لك الحق أن تحكم على ما وراءه، فقد يكون الأمر أبسط بكثير مما تتخيل، قد يكون لما ينشر ارتباط بظروف وحالات معينة لست على اطلاع عليها.

قبل انتشار مواقع التواصل والإنترنت؛ كان الناس لا يعرفون عنا إلا ما نريد أن يعرفوه، ورغم ذلك لم يخلُ الأمر من نشر شائعات وأكاذيب قد تؤدي إلى دمار أسر بأكملها وتحطيم نفسيات أشخاص، أما اليوم فقد أصبح كل شيء متاح للجميع، صور فيديوهات تعبيرات، تنتشر في الفضاء الإلكتروني وتعبر الحدود، وتتيح لكل من يراها الفرصة ليتحول «بقدرة قادر» إلى محلل وخبير نفسي.

وأخيراً.. فإن ظاهرة «الجاسوس المحلل» ليس أسوأ ما يمكن أن يحدث لك على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أن هناك من يلجأ إلى التنمر والتعرض للأشخاص والنيل منهم بكل الأساليب والطرق، لا لشيء إلا أنه يعاني من حالة مرضية يحاول أن يعكسها على الآخرين.

إضاءة

لكل «الجواسيس» و«المحللين» تذكروا دائماً الحكمة التي تقول «من راقب الناس مات هماً».