في تصريح كان هو الأخطر في مسار الأزمة الأوكرانية عندما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن من الممكن تقديم أسلحة بعيدة المدى للدول التي تتعرض لضغوط غربية وذلك كرد على ما يقوم به «الناتو» وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية من دعم لكييف تتمثل في تقديم صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي إضافة إلى طائرات إف -16 والقادرة على حمل رؤوس نووية.
إن تصريحات الرئيس الروسي منبثقة من تراكمات واضحة وعدم استيعاب الغرب لمستوى التهديدات الروسية، ولعدم إدراك الإدارة الأمريكية أن موسكو ليست العاصمة التي كانت عليها في القرن الماضي، فروسيا أسست لها على مدى السنوات الماضية كتلة من التحالفات وأسست شراكة حقيقية مع الصين حيث حمل آخر لقاء بين الرئيس الروسي ونظيره الصيني رسالة مهمة للعالم، بأن الاتجاه القادم هو تعدد الأقطاب وعلى الجميع الانسجام مع تلك المتغيرات.
والأخطر في التهديدات الروسية إلى أمريكا هو أن بوتين اختار مسار المنطقة الرمادية للرد على الغرب، وهذا النهج كانت تتخصص فيه إيران عبر أذرعها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الرئيس بوتين في بادئ الأمر استخدم كلمة دول وهنا قد يقصد ما هو أبعد من ذلك، فالعلاقات الروسية مع إيران وانعكاس ذلك على حرب غزه سيؤدي إلى مواجهات متكافئة بين محور إيران ومحور إسرائيل المتمثل في أمريكا والدول الغربية.
كما أن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فإن أغلب مراكز الأبحاث المتخصصة في الاستراتيجيات العسكرية وجدت أن روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين لديهم غزارة هائلة في الإنتاج العسكري رغم ضعف التكنولوجيا مقارنة بالأسلحة الغربية، فقد كشفت المعطيات الميدانية تفوق تلك الغزارة على التقنيات والدليل على ذلك النموذج الذي قامت فيه روسيا بالهجوم على أوكرانيا من خلال اطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة الدقيقة وذلك لتشتيت أنظمة الدفاع الجوي وكان لها تأثير قوي في تغير معطيات المعركة.
خلاصة الموضوع، ليس فقط على أمريكا أن تعي خطورة التهديدات الروسية بل على الغرب ودول المنطقة أن تستوعب أن موسكو لها القدرة التصنيعية في قلب موازين المعارك سواء في الأزمة الأوكرانية أو في حرب غزة أو السودان أو أي نطاق يكون لروسيا تواجد، وهذا بحد ذاته يمثل تصعيداً عالمياً يجب اليوم احتواؤه بالصورة التي تضمن أن تكون بها المسارح وفق حدود الاشتباك المتفق عليها أو أنها ستخرج عن نطاق السيطرة ويصل العالم لنقطة اللا عودة لطاولة المفاوضات.