هل تخيلت أن يكون مجبوس الهامور أو الروبيان أو البلاليط مدخلنا لدول أخرى ولحضارات وشعوب بعيدة عنا مئات الآلاف من الأميال، وقد لا تجمعنا فيها ثقافة أو لغة أو دين..!
كثير من دول العالم سعت لتسجيل تراثها وثقافتها، بما فيها الطهي والزي والأغاني الشعبية، في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، سعياً لحفظ هويتها الوطنية ونقلها للأجيال القادمة بكل تفاصيلها، حتى تبقي الهوية الوطنية والثقافة والعادات والتقاليد شاهداً على التاريخ وعلى قيمة هذه الدولة وعراقتها.
لاشك أن الثقافة والتراث الوطني، وبما يشملانه من تفرعات، يمثلان أحد أهم مكونات الهوية المجتمعية، والتي يتم الاتكاء عليها من أجل النهوض بالأوطان وبناء مستقبله، بل تعدان من أهم أدوات القوى الناعمة التي يمكن الاعتماد عليها لتعزيز صورة المجتمع إقليمياً ودولياً والدفاع عن مصالحه.
مناسبة حديثي هذا كانت القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأخيرة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين، بالموافقة على تنظيم عدد من الهيئات المعنية بالثقافة والتراث والمتاحف والأفلام والمكتبات والموسيقى... وصولاً إلى هيئة فنون الطهي وهيئة الأزياء.
اللافت في الخبر هو عدم إغفال المجلس أية أداة ثقافية أو تراثية إلا نظم لها هيئة مستقلة، وهو ما يعني الحرص على الاهتمام بكل تفاصيل الهوية الوطنية، فليست الهوية هي الحدود الجغرافية أو العلم فقط؛ بل هي كل ذرة وكل تفصيله من تفصيلات الوطن وتاريخه وحضارته.
في محيطنا الخليجي، وإن كنا نتشابه في كثير من القيم والعادات والتراث، إلا أن لكل دولة ما يميزها عن الآخرين، وهي اختلافات بسيطة ساهمت في رسم صورة جميلة عن المنطقة وشعوبها، والتي تمتاز بحرصها على الحفاظ على الهوية والوطنية وتعزيز قيم الانتماء والولاء لأفرادها.
المملكة العربية السعودية الشقيقة؛ وهي تنطلق في عالم البناء والتنمية وتحقق مستهدفات "رؤية السعودية 2030"، لم تغفل على الإطلاق عن العناية بالقيمة الحقيقية للتراث والثقافة والتاريخ السعودي، وها هي تؤكد يوماً بعد يوم على أهمية هذا التراث عبر إعادة إحيائه بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات العصر الحالي، دون الإخلال بثوابته وقيمه العربية الأصيلة.
وأخيراً.. فإن السعي للحفاظ على التراث الوطني ليس ترفاً أو مضيعة للوقت، بل هو أيضاً استثمار في المقومات الحضارية الحقيقية، والتي تتحول إلى مصدر دخل رئيس للدول عبر استقطاب السياح وتطوير البنى التحتية الموازية.
إضاءة
ونوجه هنا؛ بوضع خطة عمل تختص بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، وسنعمل، في سياق ذلك، على إحياء قصر عيسى الكبير الذي سنعتمده كأحد المقار الرئيسية لعملنا، ومعه الأحياء المعروفة بمدينة المحرق التي نتطلع إلى عودة أهلها لها، تكريماً لذلك المجد الوطني المشهود في وطن الطيبة والكرامة".