نتذكر الشيء الجميل والطيب والغالي حينما «نخسره»!

وللأسف هذا حال الإنسان، إذ هي فطرة فيه، حيث لا يقدر ما بيده إلا حينما يخسره! لا يتذكر الأمور الإيجابية أو الطيبة إلا حينما تحل محلها بدائل سلبية أو خبيثة. والقليل منا الذي يفكر بشكل واعٍ، فيقدر ما لديه وما حوله.

بالأمس فجعنا كمجموعة أصدقاء برحيل صديق شاب، كان دائماً له حضوره المميز في جلساتنا واجتماعاتنا. رحل بعد صراع مع المرض أجاركم الله، رحل بهدوء، لكن رحيله حل على الجميع كصاعقة، إذ كان الأمل أن يتغلب على مرضه، مثلما كان يتغلب على كل شيء في حياته بإيجابيته وابتسامته.

حينما يرحل «الطيبون» يحزن الذين يعرفونهم عن قرب أيما حزن، ويمضي البعض في استيائه نتيجة الألم لأن يطرح ذاك السؤال المحظور الذي يتصادم مع وجوب الإيمان الثابت بالقضاء والقدر، فيقول: «لماذا فلان، وهو الشخص الطيب الذي لم يؤذ أحداً في حياته؟!».

وهنا دائماً أقول بيني وبين نفسي أولاً: لعل الله اختاره جواره ليعوضه عما عاناه وأتعبه في الدنيا الفانية، هو رحل وخلف وراءه الألم لأهله ومحبيه ومن يعرفه، لكنه بإذن ربه هناك سعيد ومأجور بعمله الطيب وسيرته العطرة في جنات النعيم.

وما هذا التصنيف الذي نتحدث عنه «طيبون» وخلافهم؟! ولا أريد ذكر الوصف المقابل؛ لأننا نعرف كبشر من خلال تعاملاتنا في حياتنا مواصفات الإنسان الطيب، ومواصفات ذاك الذي لا يترك أثراً طيباً للناس حتى يتذكروه بالخير.

الطيبون هم الذين نجدهم في حياتنا كأحد أسباب السعادة والابتسامة، حينما تصادفهم تحس براحة نفسية غريبة، فهو إنسان تعرف تماماً أن في مجالسته خيراً، وفي التعامل معه صدق ونزاهة وشرف وشهامة، تعرف تماماً أنك ستتعلم منه صفات إنسانية وإن كانت بسيطة غير معقدة، لكنها صفات تمثل الإنسان السوي في كل شيء.
أما خلاف هؤلاء فهم من تتعوذ أن يتقاطع طريقك بهم، بل تطلب من الله عز وجل أن يجعل في طريقك أصحاب الخير والصدق والذين يمشون في هذه الأرض ينثرون الطيبة والسعادة ويعاملون الناس بخلق حسن.

خلافهم من للأسف يتركون لدى الناس ذكريات سيئة، سواء أكانوا أفراداً اختلط بهم البشر في المجتمع أو مواقع العمل، ومنهم من الذي قام بأذى الناس أو التعامل معهم بشكل سيئ، ومنهم من الذي يظلم في مواقع العمل بقصد وتعمد، ولا يخشى دعوة المظلوم والمتضرر بأن «حسبي الله ونعم الوكيل»، وهو لا يعلم «قوة التحسب عند الله»، هي شكوى عند ملك الملوك الواحد القاهر الذي قد يمد للظالم والسيئ ليتعظ ويعود إلى الطريق القويم، لكنه حينما يتمادى ترقب «قدرة رب العباد»، وتجدون الأمثلة كثيرة أمامكم عن تصريفات القدر (الله عز وجل) بحق هذه النوعية.

يرحل الطيبون، فتنقص الطيبة في هذا العالم، نفتقد أشخاصاً كانوا حوالينا كـ«حمائم سلام» و«فرسان للأخلاق»، ونقضي الوقت بتذكر طيبتهم ومناقبهم وذكرياتهم الجميلة، ونقول: ليت الزمان يعود يوماً.

اتجاه معاكس

صديقي وأخي الغالي «يونس جهرمي»، رحمة الله عليك أيها الإنسان الطيب طاهر القلب، شخص لم نعرفك إلا بابتسامتك الصادقة، لم يعرف وجهك إلا السعادة رغم ما يجول بداخل عقلك وقلبك من هموم الدنيا ومن تحد في مقاتلة المرض. كنت داعماً للجميع بأحاديثك الإيجابية وأفعالك النقية، أحبك من عرفك، وبكاك من رحلت عنه.

يكفي الإنسان النقي ذكره الطيب نتيجة أسلوبه وتعامله وأفعاله تجاه الآخرين. هذا الإرث هو الذي يبقى للناس، حينما يذكره الآخرون ويقولون «رحمة الله عليه».
وهنا نكررها دائماً: «الطيبون لا يموتون.. الطيبون لا يموتون».