يشهد تاريخ البشرية في وقتنا الراهن صراعاً وحرباً في الشرق الأوسط لم يسبق للتاريخ المعاصر أن حدثت، فهي حرب لا تعرف طريقاً للنهاية.

إن ما يجري في غزة من تحركات وذهاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتخاذ حربه الشخصية ضد حماس هو أمر في غاية الخطورة، فإذا نظرنا تاريخ الحرب العالمية الأولى والثانية وانطلاقنا بهذه الشرارة التي وسعت مسارح العمليات حينها والتي انتقلت الحرب من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب فنحن اليوم أمام مشهد بأن الحرب هذه المرة تبدأ من منتصف العالم وهي فلسطين.

والحقيقة أن نظريات المؤامرة أحاطت بالرأي العام العالمي بأن ما يجري هو مجرد مخطط بعيد المدى لتقسيم الشرق الأوسط وفي نفس الوقت لإضعاف إيران من جانب وزيادة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، ولكن الواقع الذي نراه والتحركات الإقليمية هي محركات اقتصادية بحته لزيادة وتيرة الصراع في غزة ولا يتعلق بمسألة النفوذ كثيراً.

لنفسر ذلك وبطريقة منهجية لندرك الواقع الذي نسير عليه، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية أعلى معدل دين عام ويبلغ أكثر من ٣٤ تريليون دولار وفي نفس السياق عدة جبهات تدعم فيها أطراف الحرب ومنها أوكرانيا ومؤخراً إسرائيل، فكان ذريعة زيادة التضخم لمستويات قياسية بحسب تصريحات البيت الأبيض والرئيس الأمريكي جو بايدن هي الحرب الأوكرانية وبالتالي تحرك البنك الفيدرالي إلى زيادة أسعار الفائدة لسحب مبالغ التيسير الكمي التي طبعها في كورونا، ورغم ذلك فإن السوق الأمريكي عاند الفيدرالي وحقق قمماً جديدة، وكأن ما رغب فيه الفيدرالي في هبوط أسواق المال الناعم لم يتحقق بل على العكس أصبحت ثقة المستثمرين والدول بالبنك الفيدرالي نوعاً ما معدومة وهذا ما دفع الصين والمملكة العربية السعودية والكثير من الدول إلى شراء الذهب كأصول مخزنة من باب التحوط، والدليل على ذلك أن الذهب وصل مستويات لم يسبق له عبر التاريخ.

بمعنى أن الحروب تولد ذريعة لواشنطن بأن تتخذ خطوات لتغطي على ما هو أكبر، فالدين العام الأمريكي أو كما يصفه المحللون الاقتصاديون بأنه سيكون في الأيام القادمة المسبب لكارثة اقتصادية ضخمة ستضرب العالم في حال لم تسيطر واشنطن على كبحه، لأنه الخيار الوحيد هو زيادة وفرض ضرائب جديدة على المواطنين الأمريكيين لتخفيف وطأة ارتفاع الدين، وأن هذا لن يتحقق في ظل الانتخابات الرئاسية القادمة.

خلاصة الموضوع، أن حرب غزة واستمرار أمريكا بدعم إسرائيل بالأسلحة من خلف الأضواء هو تأكيد أن واشنطن تحتاج لذريعة لتغطية للوضع الاقتصادي الذي ستعانيه من ارتفاع الدين العام والذي بأي وقت سيكون هناك تبعات اقتصادية ستنهار بها الأسواق العالمية.