كثيراً ما تتدخل الأخبار والتقارير الصحفية لتؤثر على بورصات عالمية أو حتى أسعار العملات وكذلك الذهب والنفط وغيرها من سلع التداول اليومي، وهذا التأثير يكون عميقاً لدى القراء المتابعين لمثل هذه الأخبار، أو المستثمرين منهم في أي من تلك السلع أو السندات والأسهم.
خبر تم نشره الأسبوع الماضي عن توجه الصين لشراء الذهب بقوة خلال الفترة الحالية، وجاء الخبر بآراء مختلفة لمواطنين صينيين قد ركبوا موجة الشراء المتسارع للمعدن الأصفر عندما شاهدوا آخرين يقومون بذلك، حتى أن بعضهم لم يجدوا رداً مقنعاً لشراء الذهب سوى أن آخرين يشترونه بكميات، فقرروا الشراء مثلهم، وظهر ذلك بوضوح حيث استورد القطاع الخاص الصيني 228 طناً خلال شهر واحد في عام 2024.
الأمر لم يكن مقتصراً على الأفراد، ولكنها سياسة حكومية في الصين التي لا تثق في النظام المالي العالمي وتريد التخلص من الدولار لديها، بعد توجه الغرب لفرض عقوبات على روسيا وتجميد الاحتياطي النقدي لديها، فقد أشار تقرير اقتصادي إلى أن بنك الشعب الصيني قد اشترى 735 طناً مترياً خلال عام 2023 منها 500 طن بيعت بصفقات سرية، وأكد أنها أعلى زيادة لاحتياطي الذهب في الصين منذ عام 1977، وضاعف التقرير الإثارة بالإشارة إلى أن الحيازة الحقيقية للحكومة الصينية تزيد عن ضعف الأرقام الرسمية.
كما أكد التقرير أن هذه الموجة جاءت نتيجة رد فعل على الأزمات الجيوسياسية، ولذلك تفشى الوباء في دول أخرى رأت في هذا التوجه جرس إنذار يحذر من مستقبل غامض للعملات الأساسية، ومن هذه الدول بولندا التي اشترت 57 طناً وتركيا التي اشترت 39 طناً، ثم ذهبت موجة المد الشرائي إلى الاتحاد الأوروبي؛ بل وأمريكا نفسها، وهو ما رفع سعر الذهب بشكل غير مسبوق.
بالفعل هناك أزمات جيوسياسية يعلمها الجميع، لكن العالم لم يخلُ يوماً من الأزمات، وأنا مع الرأي الآخر الذي يفسر خشية الصين من العقوبات الأمريكية على أصولها، ومحاولتها التخلص من الدولار، ولأن الصين دولة عظمى بحجم صادراتها وتعداد سكانها فإن هذا الأمر له أثر كبير في توجيه السوق العالمي وتغيير مزاج الأفراد وحتى المؤسسات النقدية.
وعلى الرغم من تماسك الدولار حتى اليوم كعملة تقود الأسواق، إلا أن هذا التأثير ينخفض بريقه يوماً بعد آخر، في ظل المخاوف من عجز ميزانية الولايات المتحدة الذي وصل إلى تريليون دولار في مارس الماضي، والتهديد بالإغلاق الحكومي لأكثر من مرة، ولذلك فنحن في حاجة لمثل هذا التنويع الذي يحدث توازناً واستقراراً حقيقياً للمرحلة المقبلة.