"إن لم تتحدث عن نفسك فسيتحدث عنك الآخرون".. أحد أهم القواعد التي تعلمتها منذ التحاقي بكلية الإعلام وخلال مسيرة عملي الإعلامية الممتدة لسنوات طويلة، وهي من القواعد الإعلامية الذهبية التي ترسم شكل العلاقة بين الحكومة أو الجهات الرسمية والجمهور.

أسوق هذه المقدمة وأنا أتابع، ومعي معظم المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين، البيانات المتتالية الصادرة عن الجهات المعنية بشأن انبعاث رائحة في الأجواء بعدد من المناطق في مملكة البحرين منذ يوم الأربعاء الماضي، والتي عادة ما تنتهي بجملة أهمية "استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية ذات العلاقة".

وتتبعاً للبيانات الصادرة بشأن انبعاث رائحة في الأجواء، فقد جاء في البيان الأول بشأنها أنها "انبعاثات تشغيلية طبيعية وفي حدود الإجراءات المعمولة بها بشكل اعتيادي ولا تستدعي القلق"، ومع تواصل انتشار الرائحة؛ بدأ عدد من النشطاء ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر ما يصلهم من معلومات "غير رسمية"، والتي لا تخلو من بعض "البهارات"، مما زاد من قلق الناس، ليفتح باباً لإشاعات لم تنتهِ.

أما البيان الثاني، والذي صدر يوم الخميس الماضي فأشار إلى أن "تسرب حدث في أحد خزانات النفط التابعة لشركة بابكو إنرجيز"، وأن "الجهات المختصة قامت بالسيطرة على التسريب والبدء في إجراءات إصلاح الخلل".

وبعد ثلاثة أيام من البيان الثاني وخمسة أيام من بدء انتشار الرائحة؛ أصدرت شركة بابكو للتكرير، وهي الجهة المسؤولة عن خزانات النفط، بيانها الأول والتي قالت فيه أن "عمليات التعامل مع التسرب الناجم في أحد خزانات النفط التابعة للشركة في منطقة سترة في مراحله الأخيرة". وفي ذات اليوم أصدرت وزارة التربية والتعليم بياناً أعلنت فيه تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية في منطقة سترة وما حولها حرصاً على "صحة وسلامة جميع منتسبي المؤسسات التعليمية".

وعلى مدى خمسة أيام؛ تداول أهل البحرين العشرات من التحليلات والتفسيرات المتنوعة لما جرى، بل أن بعضهم أخذته الحماسة فتطوع لـ "الإفتاء" بما يمكن أن يتخذه المواطنون والمقيمون من إجراءات وقائية، حتى أن الحماسة ارتفعت لدى البعض والذي أخذ يحلل ويفسر تأثير الروائح المنبعثة على الصحة العامة والأجهزة التنفسية، بل وحتى تأثيرها على الحوامل والأجنة.. وهو ما بدأت يترك آثاره النفسية على المواطنين والمقيمين، والذين لم يسمعوا خبراً يقيناً من الجهات المعنية والخبراء والأطباء.. والذين تركوا الساحة لكل راغب في الإثارة أو جمع مزيد من الإعجابات على صفحاتهم.

أنتهي بما بدأت به؛ أن التعامل الإعلامي مع أي حدث له تماس وتأثير مباشر على المواطن يجب أن يتم بسرعة وشفافية، لا أن يُترك المواطن لاجتهادات وتفسيرات غير علمية وغير دقيقة، وقد يكون وراءها أهداف خبيثة تسعى للنيل من الوطن واستقراره وأمنه.

فإن لم تتحدث الجهات المعنية بالمصداقية والشفافية فسيتطوع كثيرون للحديث نيابة عنها، حقيقة أو كذباً، وعندما سيكون من الصعب "لملمة" الموضوع وإظهار الحقيقة كاملة، لأنه "إن لم تتحدث عن نفسك فسيتحدث عنك الآخرون".