التاريخ العربي الكلاسيكي غني بالمتون والأساطير وقصص غريبة نوعاً ما لما تحمله من نوادر ولكنها لاتخلو من الحقائق وأيضاً لاتبتعد كثيراً عن الخرافة في بعضها منذ سنبلة وعشتار، وكليلة ودمنة، وجميل وبثينة، وحكايات سندباد، وسندريلا، وسيرة عنترة والسيرة الهلالية، وحبيبنا قيس ابن الملوح وغيرها الكثير.. ولكن صنع العرب حضارة أصبحت هي الأقدم وترسخت في جذور صعب قلعها.. وأنا أرى أن ما ذهب إليه «هنتنغتون» عندما فرق بين الحضارات كمجموع وبين الحضارة وعرفها بأنها نقيض لفكرة الهمجية وهذا صحيح حيث إن معظم الحضارات نظمت قوانين اجتماعية قبل ظهور التحضر وأيضاً تلك الحضارات أسست لثقافات إنسانية وهنا لايمكن أن ننكر بوجود مدن هي ايقونات حضارية فكرية وعلمية وثقافية مثل الحضارة في بغداد ومصر وسبأ ودمشق ودلمون والحضارة الإسلامية ومن تلك المدن بدأت شرارة الثقافة والفكر والعلم ومنها أيضاً يتزعزع العالم أو بها يستقر حلم التاريخ .

ولن تخلو الحضارة في تلك المدن من صراعات ولكن ثبتتها الرجوع إلى مسلة حمورابي وقوانين اجتماعية وفلكلور صار من الثابت حينها ولاننسى أن هناك شواهد كثيرة لعمق الحضارة العربية حيث في أوج الصراع بين الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية وقفت عواصف الفقه والثقافة العربية بيرقاً ورمحاً يوم انتصر فيها العرب على العجم وأثبتت ان الثقافة العربية تنتصر على كل الثقافات والحضارات ولكن أيضاً كانت في تاريخنا الحديث صراعات على تغير مجرى التاريخ وتشويه في أصل الحضارات وتميزها ولو رجعنا لكتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، الذي ألفه الكاتب الياباني الأصل وأمريكي الجنسية «فرانسيس فوكوياما» يعتبر أكثر الكتب تأثيراً على فئة كبيرة من بعض المجتمعات الغربية والعربية والشرق أوروبية خاصة، التي حاول فيها فوكوياما تغيير الحقائق وتغيير في مجريات التاريخ ولم يستثنِ أي أمة وحاول أن يقصي فريدرك انغلز وهيغل وكارل ماركس الذي اتبعه كثير من المثقفين في أوروبا ومجموعة من النخب العربية وبقي الجدل الثقافي والفكري بين تلك الحضارات إلى يومنا هذا لإثبات مفاهيم تلك المجتمعات والفوز بجوائز التاريخ والثقافة.. وسيبقى تاريخنا يشرع ذراعيه للريح ويهرول كي يهيء لإصلاحِ شقوق سقف الكون.