حينما تفشل الحلول باستخدام القوة المباشرة، وحينما تفشل محاولات تجنيد الأتباع عبر استغلال الولاء والمذاهب والأعراق، هنا تبدأ عمليات «تأليب» الأطراف الأخرى التي تقف منهم موقف الضد وتفسد مخططاتهم، هنا تبدأ محاولات تشكيك أصحاب «الحق» في هذا الحق.

ما ألاحظه في الفترات السابقة، وما نقرؤه من بين السطور، وما نبني عليه بسبب خبرات طويلة ممتدة لسنوات في مواجهة الساعين بالشر للبحرين والطامعين فيها والمنقلبين عليها حينما ظنوا أن «الفرصة سنحت» وحان وقت إسقاط النظام وكشوف الوجوه الحقيقية، ما ألاحظه هو تحوّل الأسلوب من القوة المباشرة وتجنيد الأتباع إلى «تأليب» أصحاب الحق، إلى محاولة زعزعة إيمان المخلصين في ولائهم لهذه الأرض وقيادتها.

ما يحصل اليوم يدخل ضمن استراتيجيات ما يُعرف بـ»القوة الناعمة»، واستخدام وسائل التواصل وتكتيك دمج المعلومات بالكلام ووضعها في سياق منطقي، ضمن خطاب يبتعد عن البعد السياسي، ويقترب من دغدغة المشاعر والعاطفة، خطاب يبحث عن الجروح وينكؤها، وليس الهدف منه «صالح الناس»، بل الهدف هو «تأجيج قلوبهم»، لتكون أرضية جاهزة لانقلاب آخر، معه ضعيف النفس ومهزوز الإخلاص ورابط الانتماء بالماديات سينتكس أو يتقاعس.

نعم دخلت في نقاشات مع أناس يعجبهم ما يقوله بعض الانقلابيين، حينما يتحدثون عن أمور تلامس هموم الناس، ومتى؟! الآن بالذات، مع زيادة غلة الكلام، بينما ينسى هؤلاء الناس ما فعله هؤلاء قبل سنوات، حينما عادوا وطناً كاملاً بأهله، وحاولوا سرقته للأجنبي، وعاثوا فيه فساداً وإرهاباً وطائفية! وقتها أين كان «أنينهم وحنينهم وصراخهم» لأجلك أيا «المتأثر بتلونهم» اليوم؟!

والله لا أصدق خائناً باع وطني وضربه بخنجر في ظهره، وخون أهله المخلصين، وسقّط رموزه وأباح قتل رجال الأمن، ولم يمتلك جرأة لانتقاد جهات خارجية تعادينا بشكل صريح، لم يجرؤ على انتقادها بحرف، والله لا أصدق آفاقاً في الوطنية ومرتزقاً في التبعية لعدو خارجي، فقط لأنه اليوم غيّر استراتيجيته وبدأ باللعب على مشاعر الناس وفتح الجروح واستغلال الهموم وإبراز المشاكل وإيراد الأرقام، وتشبيك كل المعطيات مع المنطق وبأسلوب سرد يخيّل لك بأنه الناصح الأمين، والخائف على الوطن وقيادته وأهله.

هذا النوع حذّر منه رسولنا الكريم، العالم المفوه الذي يستغل علمه وقدرته على إيهام الناس والتأثير على عقولهم. هو من يقول كلام حق يُراد به باطل.

فقط نقول أين كنتم من زمان؟! أين كنتم عن هموم الناس ومشاكلهم من زمان؟! من تخوّنوهم طوال سنوات هم من كانوا يوصّلون نبض الناس ويكتبون عن همومهم، بينما أنتم ومن تتبعونهم من جمعيات انقلابية كان شغلهم الشاغل إلغاء قانون الإرهاب والعقوبات وإباحة التخابر مع الخارج، وغيره من حراك كل هدفه مصلحة سياسية خاصة، كنتم وقتها لا يهمكم الوطن ولا أهله، بل كان الهم كله «ابتلاع الوطن».

والله لو يقسمون على المصحف الشريف بأن نواياهم صادقة لأجل الوطن والناس، والله لن أصدق من باع الوطن وخانه، لن أصدق من تطاول على قيادتنا، لن أصدق من أباح قتل شرطة بلادي، واعتبر كل من يدافع عن البحرين «خائناً»، بينما هو الساجد لمرشد الشمال، ويدّعي أنه الوطني ولا أحد غيره.

من يصدّق هؤلاء بعدما طعنوا البحرين في ظهرها، وكأنه يقول مصلحتي الخاصة فوق وطن بأكمله حتى وإن ضاع!

ولن يفهم كلامنا هذا، إلا من كان على ثغر من ثغور هذا الوطن، إلا من واجه أعداءه وخونته، إلا من رأى وجوههم الحقيقية ونواياهم المفضوحة بشكل مباشر، إلا من كشف كرههم الحقيقي للوطن ومن يقف ضدهم.