من لا يعرف ماري كيري؟! أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، وإضافة إلى ذلك تنفرد عالمياً بحيازتها جائزتي نوبل في مجالين مختلفين الفيزياء والكيمياء، حاصلة على ماجستير في الفيزياء وماجستير في الرياضيات.

ومن يعرف أن هناك لها مثيلات عربيات خليجيات سعوديات في مجال الفيزياء يضاهنها شأناً، كالدكتورة ابتسام سعيد باضريس أستاذ دكتور في الفيزياء النووية؟! أول امرأة عربية خليجية سعودية تَحصِل على العُضوية في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) «Conseil Européen pour la Recherche Nucléaire»، وحاصلة على دَرَجَتي دكتوراه في مجالين عِلمِيينِ مختلفتين، الدرجة الأولى دكتوراه في فيزياء الجسيمات الأولية من جامعة بيرن «معهد ألبرت أنشتاين» للطاقة العالية»، والدرجة الثّانية دكتوراه في العلاقات الدولية والدبلوماسية، ولها إسهامات نشرت أكثر من 140 ورقة بحث في مجلات علمية محكمة.

تلك هي العربية الخليجية السعودية، صاحبة القَامَةٌ العلمية الفَذَّة، التي أَنارَ الأضواء على ملامحها، مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، ضمن استضافة مُتزامنة مع اليوم العالمي للمرأة، تحدّثت فيها عن أبرز محطّات مسيرة إنجازاتها العلمية والاجتماعية، من خلال محاضرة تحت عنوان «رحلتي المتواضعة بين العلم والحياة الاجتماعية».

رحلة حققت فيها الأستاذة الدكتورة ابتسام سعيد باضريس إنجازات على خطين مختلفين، بالتوازي آنياً، متخطّية في ذلك العديد من العوائق والتّحدّيات، خاصة منها تلك التي ظهرت عند نقاط تقاطع بين خطي مسيرتها العلمية ومسيرتها الاجتماعية، تَكمُنُ أساساً في صعوبة التوفيق بين مقتضيات تتعلق من جهة بالعوامل البشرية، أبرزها الاحترازات الوقائية للجنين طيلة فترة الحمل ومن جهة أخرى بمتطلبات إجراء التّجارب البَحثية في مختبرات مجال الفيزياء.

رحلة تُوِّجت بدايتها بشهادة نهاية مرحلة البكلوريوس في الفيزياء من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، في ذات اليوم، ببداية الحياة الزوجية انتقلت بها إلى بيئة أخرى مختلفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك سنة 1990، حيث التحقت بجامعة فيرلي ديكنسون وهي تحمل أول مولود لها، مُتحمِّلة مسؤولياتها والتزاماتها الأسرية، لتحصل على درجة الماجستير في الفيزياء التّطبيقية.

ثم تواصل مسيرة رحلة إنجازها التي أرست محطّتها التّالية على أعتاب جامعة برن في سويسرا، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات في عام 2011، ومَولِد طفلها الثّاني بأتم الصّحة والعافية، ولم تكن بعض آراء ومقترحات المخاوف قد أثنَتها على الاحتفاظ به ولا على ترك رسالتها العلمية، متلقية الدّعم والمؤازرة في ذلك ضمن تشجيع مسيرتها العلمية من شريك حياتها ومسيرتها الاجتماعية، وشريك بيئتها الأم التي تنحدر منها.

لم يَقتصِر قِطارالإنجازات المعرفية للأستاذة الدكتورة ابتسام سعيد بارضريس على قَطعِ أقاسي مسافات في وجهة العلوم الصحيحة على خطِّ الفيزياء والرياضيات، بل تَحوّل لوجهة العلوم الإنسانية على خطِّ اللِّسانيات وصولاً لخَطِّ العلاقات الدولية، حيث حملها شَغَف العلم في مُنعطَفٍ رحلتها لتحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، الأمر الذي استوجب منها مُسبَقاً اكتساب وإتقان اللغة الفرنسية لإتاحة قَبولها بكليَة جنيف للدبلوماسية والعلاقات الدولية، وتصبح بذلك امرأة عربية سعودية ناطقة بثلاث لغات من بين أوائل تلك الفترة الزمنية.

علماً أن الفترة الزّمنية في حدّ ذاتها تشكّلُ جانباً من جوانب تميُّز رحلة هذا الإنجاز المُبهِر، حيث جاءت فيما قبل مرحلة التّحول والنّقلة النّوعية تجاه تمكين المرأة السعودية في شتى المجالات والنّشاطات، غير أنّه لم يصل إلى الحد الذي منعت فيه ماري كيري بِزمنِها دخول الجامعة في بلدها بولندا كونها امرأة وأضرت للذهاب إلى فرنسا.

ومن أبرز جوانب التّميز في رحلة هذه الشخصية المُلهِمة كونها خَطّت أَثر إسهاماتها العلمية والاجتماعية بمعالم ثقافة مجتمع المرأة العربية السعودية، الزوجة، والأم لأبناء، وربّةُ البَيت، المساهمة في مسؤوليات الأسرة، المُتعلِّمة والعالِمة، والباحثة، والزّوجة، والأم لأبناء، وربّةُ البَيت، والعامِلة، والنّاشِطة، المُتَحلّية بالزّي التّقليدي والملتزمة بعادات وأخلاقيات مجتمعها أينما حَلّت.

لقد أضافت الأستاذة الدكتورة ابتسام سعيد باضريس بذلك إلى رصيد إسهاماتها، تصويب الصورة النّمطية الخاطئة عن المرأة العربية والسعودية في مِخيال العديد من الثّقافات الغربية، ونقل صورة حقيقية واقعية على نحو مشرق ومشرّف.