كما عودتنا دائماً في احتضانها للفعاليات والبطولات الرياضية نجحت دولة قطر الشقيقة بامتياز في احتضان النسخة الثامنة عشرة من بطولة كأس أمم آسيا لكرة القدم بمشاركة أربعة وعشرين منتخباً وتوجت هذا النجاح التنظيمي الباهر بنجاح ميداني أكثر إبهاراً عندما خطف منتخبها العنابي كأس البطولة بجدارة واقتدار ليحافظ على لقبه القاري للمرة الثانية توالياً لتبقى كرة القدم القطرية على عرش الكرة الآسيوية لأربع سنوات قادمة.

كل هذا النجاح لم ياتِ من فراغ إنما جاء نتيجة تخطيط استراتيجي مسنود ومدعوم من أعلى سلطة في الدولة الشقيقة التي استشعرت أهمية الرياضة كوسيلة حضارية للترويج السياحي والإعلامي وهو بالفعل ما تحقق على أرض الواقع خلال البطولات الرياضية المتعددة التي تستضيفها الدوحة –عاصمة الرياضة الآسيوية – وخصوصاً خلال بطولتي كأس العالم وكأس أمم آسيا الأخيرتين وما شهدتهما من حضور جماهيري غفير ولافت جعل من دولة قطر قبلة سياحية مميزة.

عندما نتحدث عن التخطيط الاستراتيجي فإننا نتحدث هنا عن البنى التحتية بالدرجة الأولى باعتبارها القاعدة الرئيسة التي تنطلق منها الرياضة وهذا ما عملت عليه دولة قطر منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت الدوحة تستعد لاحتضان النسخة الرابعة من بطولة كأس الخليج لكرة القدم ويومها لم يكن لدى قطر سوى إستاد الدوحة الصغير والمزروع بالنجيل الطبيعي كأول إستاد من نوعه في منطقة الخليج!

من هناك بدأت قطر في زراعة ملاعب كرة القدم ببعض المدارس لتوزيعها على المنتخبات الخليجية للتدريب خلال تواجدهم في «خليجي 4» في الوقت الذي كان العمل يجري على قدم وساق في إنشاء إستاد خليفة الأولمبي ليكون مستعداً لاحتضان مباريات البطولة الخليجية وبعدها بدأت قطر في إنشاء الأندية النموذجية بملاعبها التدريبية وإستاداتها الرئيسة تبعتها خطوة إنشاء «أكاديمية سباير العالمية « لتكون مصدراً لإعداد القادة الرياضيين واحتضان المواهب الرياضية وصقلها وفق منهج علمي يجمع بين التحصيل العلمي والممارسة الرياضية وهو ما تمخض عنه اكتشاف مواهب عديدة استطاعت أن تشق طريقها إلى العالمية من أمثال العداء «معتز برشم»، بطل العالم في القفز العالي وعدد كبير من لاعبي كرة القدم بينهم مجموعة من الذين مثلوا العنابي في العرس الكروي الآسيوي الأخير.

وتبع إنشاء «أكاديمية سباير» إنشاء «مستشفى سبيتار» المختص في إصابات الملاعب وهو واحد من أبرز المستشفيات الرياضية في العالم بدليل أن عدداً كبيراً من نجوم الرياضة العالميين يختارون العلاج فيه.

وتعد الإستادات الثمانية «التحف» التي انشأتها قطر لاحتضان مونديال 2022 من أبرز الشواهد على نجاح خطط الدولة الخليجية الشقيقة وهذا ما أكدته وسائل الإعلام العالمية التي غطت ذلك الحدث الكروي العالمي المميز.

ليس هذا فحسب بل إن الخطط الاستراتيجية القطرية في مجال الرياضة لم تعتمد فقط على الخبرات العالمية إنما أفسحت المجال لأبناء قطر الذين أثبتوا كفاءتهم وجدارتهم في تنفيذ هذه الخطط كما كان للإعلام الرياضي القطري ممثلاً في قناتي «بي إن سبورت» و«الكاس» دور محوري في دعم أهداف هذه الخطط والاستراتيجيات.

هكذا إذاً تؤكد التجربة القطرية الرائدة بأن التخطيط السليم هو الطريق الأمثل لبلوغ الأهداف فألف مبروك لقطر نجاحها في التنظيم وألف مبروك للعنابي الفوز باللقب الآسيوي للمرة الثانية توالياً وحظاً أوفر للمنتخب الأردني الشقيق الذي كان «الحصان الأسود»، لهذه النسخة بما قدمه من مستويات رائعة ونتائج إيجابية بقيادة المدرب العربي المغربي «الحسن عموتة»، مع تمنياتنا للنشامى بالتوفيق في التصفيات المزدوجة والتأهل إلى المونديال القادم.