وعاد موسم التخييم، وهو برنامج سنوي يستمتع به الأهالي، حيث تعج منطقة البر بالخيام، وأجواء المخيمات تذكرنا بالمخيمات الكشفية التي كانت تقيمها وزارة التربية والتعليم في نهاية الخمسينات من القرن الماضي مع بدايات تأسيس الحركة الكشفية في البحرين، حيث كانت تقيم مخيمات سنوية في إجازة الربيع تستمر لمدة أكثر من عشرة أيام تقريباً. وهذه المخيمات كانت خير وسيلة لبناء القادة الشباب، فتنمي شخصيتهم، وتعد منهم رجلاً يعتمد عليهم في تحمل المسؤوليات، وتعزز قيم المواطنة لديهم. وقد كان قادة الكشافة يعتمدون على طريقة إسناد المسؤوليات للشباب لتدريبهم وتنمية روح القيادة لديهم، ولا يعتمدون على التدريبات النظرية في القيادة، فخير وسيلة للتدريب هو خوض تجربة القيادة بشكل مباشر تحت إشراف وتوجيه قادتهم. ففي نهاية المخيم الكشفي تجد الشباب قد اكتسبوا مهارات القيادة وتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، وجميع المهارات الحياتية بأنواعها، بالإضافة إلى قيم المواطنة.

حيث كانت تقام مخيمات كشفية سنوية تضم جميع الفرق الكشفية بمدارس البحرين، حيث يقوم الشباب بأنفسهم بنصب الخيام، وبناء مخيمهم الخاص بهم من إنشاء السور، وبوابة المخيم، ومحل إشعال النار، وسارية العلم، ومكان حفظ الأحذية والأدوات، وكل هذا ينفذه الشباب بأيديهم معتمدين على مهاراتهم في العقد الكشفية التي تعقد بالحبال، كما يتحملون حراسة المخيم بالتناوب بينهم، ويتولون غسل ملابسهم وطبخ طعامهم بأنفسهم، كما يتولى الكشافة تنظيف المخيم سواء داخل الخيمة أو في المساحات التي تحيط بالخيمة، وتقديم الإسعافات الأولوية للكشافة في حالة إصابتهم بجروح أو حروق، أو تعرضهم لأي مرض، ويقدم الكشافة المتقدمون الرعاية والمساعدة والتدريب للأشبال، كل هذا كان الكشافة يقومون به بأنفسهم وترى قادة الكشافة يتعاملون مع الكشافة بحزم، لتنمية ولينموا لديهم حس تحمل المسؤولية، ولإذاعة المخيم، وبرامج السمر المسائية التي كانت تقام حيث يقدم الشباب من خلال البرامج الإعلامية المختلفة من نشرات الأخبار، ومونولوجات، وصيحات كشفية، واسكتشات تمثيلية، وغناء جماعي، علاوة على الفقرة الصباحية الثابتة وهي تقديم التحية والولاء للعلم الذي يرفع في بداية كل يوم وينزل في نهاية كل يوم تلك البرامج تعزز قيم ومبادئ المواطنة، وتكتشف مواهب الشباب وتنمو في هذه المخيمات، وفي نهاية المخيم يقام حفل ختامي كبير، حيث يزور الأهالي من مختلف أرجاء البحرين المخيم ويطلعون على جهود الشباب في بناء المخيم وكيفية معيشتهم هناك، كما يقدم حفل سمر ختامي تقدم فيه الفقرات الفنية، ومن هذه الحفلات تخرج العديد من الفنانين البحرينيين، وكم كان الأهالي يعتزون بجهود أبنائهم في المخيم السنوي، لا سيما أنه تقام خلاله المنافسات بينهم في جميع المجالات، سواء في مجال الطبخ، أو الإذاعة، أو التمثيل، أو بناء السور، أو تشييد البوابات، ويكرم الطلبة الفائزون في هذا الحفل الختامي. فكان هذا الحفل هو يوم سعيد يعيشه الكشافة وأولياء أمورهم.

إن المخيمات الكشفية لأيام زمان خرجت رجالاً، أهلاً لتحمل المسؤوليات فكانوا قادة للمجتمع وبسواعدهم أسهموا في بناء نهضة هذا الوطن، وخرجت الفنانين والمذيعين، وعززت حب خدمة المجتمع والناس لديهم، كل هذا من خلال التجارب التي كانوا يخوضونها في المخيمات. إن خوض التجارب مباشرة وإسناد المسؤوليات للناشئة، أقصر طريق لتعلم القيادة، فألف تحية لخريجي مخيمات أيام زمان.. ودمتم سالمين.