من يتتبع تاريخ الأوقاف الخيرية في البحرين، يرى أن كل جيل يأتي ليضع لبنات ويترك بصمات في قطاع الوقف الخيري، وهذه الجهود المتتالية أدت إلى تطور قطاع الوقف الخيري في البحرين، ففي العشرينات من القرن الماضي انتقل الإشراف على الوقف الخيري من قضاة الشرع ليكون تحت إشراف إدارة مختصة في هذا المجال، كما ظهرت في هذه المرحلة الاهتمام بكتابة صيغة الوقف الخيري «الوقفيات» أو بالتعبير الحديث عقود الوقف الخيري حيث كانت تمهر «توقع» من قبل الواقف ومن قبل قاضي الشرع بختم يؤكد صحة ما ورد في الوقفية، وهذه الجهود بذلت في سبيل الحفاظ على الوقف الخيري من الضياع، واستمرت عملية تطوير التدابير المتخذة للحفاظ على الوقف الخيري من الضياع حتى أواخر التسعينات، حيث كانت توثق الوفيات «عقود الوقف الخيري» في إدارة التوثيق شأنها شأن أي عقار، وتلك الخطوة تحتسب لهذا الجيل الذي حافظ على الكثير من العقارات الموقوفة عن طريق التوثيق وحماها من الضياع، كما اهتم القائمون على هذه المرحلة بتغير التوجهات من الوقف المباشر إلى الوقف غير المباشر، ويقصد بالوقف المباشر هو أن يستفيد الموقوف عليه وينتفع من الوقف مباشرة، كأن يسكن الموقوف عليه المسكن الموقوف لينتفع منه بشكل مباشر، أما الوقف غير المباشر هو أن يستثمر الوقف الخيري ويستفاد من عائد الاستثمار لصالح المنتفعين بحسب ما ورد في صيغة الوقف «عقد الوقف الخيري» فينفق عائد الاستثمار على تأجير المساكن للمحتاجين، أو على تحمل كلفة دراسة الطلبة، أو تحمل كلفة علاج المرض، وبالتالي فقد تميزت هذه المرحلة بالاهتمام باستثمار الوقف الخيري. كما ظهر في هذه المرحلة الوقف المشترك، وهو إنشاء أوقاف من العقارات يتم تحويل كلفة بنائها إلى أسهم ليتشارك فيه تحمل كلفة التأسيس عدد كبير من الواقفين بهدف تشجيع الناس على الوقف حسب قدراتهم المادية، وتتميز هذه المرحلة بالاستفادة من إيرادات استثمار الوقف الخيري لدعم الاحتياجات الدينية والاجتماعية، حيث تتكفل الأوقاف بتحمل تكلفة الإشراف على إدارة المساجد، والحسينيات، كاملة وتشغيلها، كما تتحمل كلفة إدارة المقابر كاملة وتشغيلها كتحمل كلفة تجهيز الموتى وتجهيز وصيانة القبور، بالإضافة لسد احتياجات بعض الأسر المحتاجة، كتوزيع بعض المؤنة، كما تميز الوقف الخيري في مملكة البحرين في العهد الزاهر لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه بإدخال التقنيات الحديثة في توثيق الوقف الخيري لتنتقل منظومة الوقف الخيري من التوثيق الورقي إلى التوثيق الإلكتروني، وذلك نحو المزيد من دقة توثيق الوقف الخيري والحفاظ عليه من الضياع . تلك لبنات وضعت في صرح تطوير العمل الخيري ليشهد التاريخ على مسيرة البحرين وقيادتها الحكيمة في النماء والازدهار ولنتمثل قول الشاعر:

نبيني الجديد على القديم منقحا

مجداً يظل على الزمان مشيدا

وفي 26 ديسمبر 2023 صدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، أمر ملكي رقم «63» لسنة 2023 بإعادة تشكيل مجلسي الأوقاف السنية والجعفرية، بتشكيل مجلس إدارة الأوقاف السنية والجعفرية، وهنا تتجه الأنظار للقائمين على الأوقاف الخيرية، وتتعلق الآمال بهم لتتجه الأوقاف الخيرية في مملكة البحرين نحو المزيد من الإسهام في عملية التنمية، ومواكبة التطورات في قطاع العمل الأهلي، والاستفادة من فتاوى واجتهادات الفقهاء المعتدلين في مجال الوقف الخيري التي تعين على تفعيل دور الوقف الخيري في عملية التنمية، وهنا لابد من طرح سؤال في هذه المرحلة وهو: إلى أين تتجه الأوقاف الخيرية؟ ولتتحدد الرؤية الواضحة في استكمال مسيرة التطوير في قطاع الوقف الخيري، وإسهامه الفاعل في تحقيق المنفعة العامة، فتضاف لبنات لصرح بناه الأولون ويكمله المعاصرون.. ودمتم سالمين.