عندما تحدثنا في مقال سابق عن مكاسب النظام الإيراني من استمرار الحرب في غزة، ها هي الأيام تُثبت صحة اعتقادنا واعتقاد الكثير من أن هذا النظام هو أكبر المستفيدين من استمرار تلك الحرب، وأن أكبر ضحاياها -إلى جانب إخوتنا في غزة- هو الشعب الإيراني المقاوم ضد النظام منذ أكثر من عام.
ولو تساءلنا هنا عن مستجدات انتفاضة الشعب الإيراني، واهتمام الإعلام الدولي بتلك الانتفاضة، لما وجدنا الكثير من ذلك الاهتمام الذي خفّ بريقه كثيراً، وتحديداً منذ السابع من ديسمبر الماضي وهو تاريخ العدوان الإسرائيلي على غزة، ولكن قبل هذا التاريخ كانت وسائل الإعلام الدولية لا تهدأ بشأن انتفاضة الشعب الإيراني، وهناك عشرات وربما مئات القصص التي يرويها الإعلام يومياً عن هذه الانتفاضة، وهو ما كان يشكّل صداعاً مزمناً للنظام الإيراني، ويجعله تحت ضغط دولي كبير، ولكن هذا النظام وجد في حرب غزة إنقاذاً وحفظاً لنظامه الذي كان مهدداً -ولايزال- من شعب منتفض يعيش أكثر من 80% منه تحت خط الفقر.
إن استمرار الحرب في غزة يحقق مبتغى النظام الإيراني ويضمن له بقاءه وعدم سقوطه، وكأن هذه الحرب كانت ماء بارداً ارتوى منه النظام في يوم صيفي حارّ جداً، لذلك فإن من مصلحة هذا النظام أن تشتعل غزة أكثر، ولا ينطفئ فتيل نارها، فبقاء الحرب في غزة قائمة يعني ابتعاد الإعلام الدولي عن الانتفاضة الشعبية في إيران، وبالتالي انشغال دول العالم في غزة وإسرائيل، وعدم الاهتمام كثيراً لما يجري في إيران التي لا يعتبرها الإعلام ضمن أولوياته في الوقت الراهن، خاصة الولايات المتحدة التي من الملاحظ أنها وجّهت كامل قواها الإعلامية والسياسية وحتى العسكرية لما يجري في غزة، وبالتأكيد هذا التوجيه لصالح إسرائيل حليفتها الأولى والرئيسة في المنطقة، وهو ما يجعلها في غفلة أو تغافل تام عن انتفاضة الشعب الإيراني ضد النظام، وهذا ما يريده بالتأكيد هذا الأخير ويبحث عنه.
وللعلم، فإن النظام الإيراني -وبحسب إحصاءات المقاومة الإيرانية في الخارج- ومنذ بداية حرب غزة في 7 ديسمبر وحتى الآن، أعدم ما لا يقلّ عن 207 سجناء، بمعدل 10 سجناء يُعدمون في اليوم الواحد منذ التاريخ المذكور، لذلك فإن النظام لا يبحث عن حلول للقضية الفلسطينية ولا يريد ذلك، بدليل أنه يرفض حلّ الدولتين وكان آخرها في اجتماع الرياض قبل عدة أسابيع، وسيستمر هذا النظام في التنسيق مع قادة «حماس» لارتكاب المزيد من المغامرات غير المدروسة ضد إسرائيل التي ستضع قواها وترسانتها العسكرية ضد أهلنا في غزة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.