في 20 يونيو من العام 2018، كتبت هنا مقالاً بعنوان: «إلغاء تقاعد البرلمانيين.. أصرف للميزانية»!

وفي طيات المقال أشرت إلى أرقام نشرتها الصحافة (حينها) كانت تبين عدد المستفيدين من الحصول على المعاشات التقاعدية البرلمانية، وكان عددهم 189 عضواً متقاعداً، وأن الكلفة الإكتوارية لهم (حينها) تبلغ 65 مليون دينار، وهي تسدد من الميزانية العامة للدولة، والمشكلة كانت تحمل صندوق التقاعد النيابي الذي أُنشئ لصرف معاشات لمدد أطول من الاشتراكات المنطقية لتمنع وجود عجز في الصندوق، خاصة أن النسبة المتاحة للخروج بنسبة 80٪ من المكافأة (المعاش) هي لـ8 سنوات، وتعادل عمل موظف في الحكومة لمدة 35 سنة، هذا إن حصل على نسبة 80٪ من راتبه.

بالإمكان العودة للمقال الذي نشرته قبل خمسة أعوام، والذي بينت فيه أن إقرار التقاعد النيابي كان بسبب حراك نواب برلمان 2002 في آخر أيامه، وبرلمان 2006 الذي أقره بموافقة غالبية أعضائه.

لكن الفكرة في المقال كانت تتجه إلى «إلغاء التقاعد» هذا لأنه «إضافة مبتدعة» ستهلك الميزانية، وهو الأمر الذي بان واضحاً منذ البداية. والمفارقة أنه تم إلغاء «التقاعد النيابي» ابتداء من برلمان 2018 وتحديداً منذ بدء الفصل التشريعي في أكتوبر.

في ذاك المقال كتبت التالي:

«سؤالنا: ما الذي يمنع النائب حين يخرج من البرلمان أن يعود لعمله السابق؟! الطرح العقلاني يقول إنه لا يمنع، إذن ما المشكلة؟! بعضهم قال إن المسؤولين سينتقمون منه! وهذا قول فيه مبالغة، إذ لسنا في غابة يتعامل فيها الناس بفوقية مع القانون، ثم من سينتقم منكم أصلاً، فأنتم لم تستجوبوا وزيراً أو تطرحوا فيه الثقة ليقال من منصبه. بالتالي التعامل مع البرلمانيين وكأنهم «مواطنون على رأسهم ريشة» أمر غير مقبول في مجتمعنا. وعليه يمكن تشريع قانون يحفظ للنائب وظيفته في حال خروجه من البرلمان ورغبته في العودة لها إن لم تكن له نية التقاعد العادي، وليس التقاعد من الصندوق النيابي، وكأنهم في حالة «إعارة» لوظيفة خارجية؟!».

هذا الكلام حينما كتبته حينها ناقشني فيه عدد من النواب، واستنكر بعضهم رأيي بأنه لا توجد مشكلة بعودتهم لوظائفهم السابقة، بدل أن يحتسب لهم تقاعدهم منها ويُلغى تقاعد النواب بالمقابل. والحجة التي لم أتقبلها هي «فرضية الانتقام»، وهي التي بينتها في ما كتبت، إذ نحن في دولة مؤسسات وقانون، ولا يمكن القبول بأن أتعمد أنا كمسؤول (على سبيل المثال) أن أنتقم من نائب عاد ليعمل في وظيفته السابقة وأنا المسؤول فيها، فقط لأنه مارس دوره الرقابي والمحاسبي وفق أدوات مكفولة دستورياً!

يومها قلت لهم إن السبب ليس هذا، بل ما يقف وراء رغبات بعضهم أكبر، وهو طبيعة إنسانية أصلاً، إذ من يريد أن يتخلى عن «البرستيج» بعد أن جربه؟! من يريد أن يعود لوظيفة قد تكون أقل في جدول الوظائف عن وظيفة نائب؟! بالتالي ردهم كان مبرراً يومها، إذ لا يلامون حينما يبحثون عن مصالحهم! لكن اللوم كله يوجه لهم حينما تأتي مصلحتهم في مقام أول على مصلحة الناس.

لكن النقطة المفصلية في الموضوع هي تلك المتعلقة بـ«مصير النائب» لو لم ينجح في دورة أخرى، وفي ظل المؤشرات -التي كانت حينها- بشأن إلغاء التقاعد النيابي. إذ إتاحة الفرصة له ليعود إلى عمله، وحمايته من أي صورة من صور التعامل بناء على مواقفه النيابية وأدائه لعمله.

اليوم سيناقش مجلس النواب في جلسته تعديلاً على لائحته الداخلية، ومن ضمن هذا التعديل «توفير المزيد من الضمانات لعضو مجلس النواب حتى يؤدي مهامه وهو مطمئن إلى غده ومستقبله الوظيفي، من خلال جواز إعادة تعيين أو توظيف العضو الذي كان يشغل وظيفة عامة وتخلى عنها بسبب عضويته في مجلس النواب في وظيفة مماثلة وهو ما ينعكس إيجاباً على أدائه».

هذه المادة التي لو طبقناها منذ الفصل التشريعي في 2006 لما كلفت ميزانية الدولة مبالغ ضخمة على «التقاعد النيابي»، ولما وجدنا أمامنا حالات لنواب لديهم تقاعد وآخرين ليس لديهم، أو لنواب سدوا فراغ خروج عناصر في 2011 في المجلس، وبعدها لم يتحصل هؤلاء النواب (نواب التكميلية) حتى على 40٪ كراتب تقاعدي، في المقام نفسه لما وجد أي نائب كان يشغل وظيفة حكومية نفسه عاطلاً عن العمل لأنه دخل المجلس واضطر لتقديم استقالته، لأن وظيفته بانتظاره ويمكنه العودة لها أو لما يعادلها.

وأخيرا تطبيق التعديل يعني إتاحة الفرصة لكفاءات وطاقات تريد الترشح للمجلس، لكنها تخشى أن تفقد وظائفها وبعد الخروج من المجلس تتحول إلى «عاطلة عن العمل»! وهناك نماذج عديدة موجودة حصل لها هذا، وكانت وظائفها مميزة ورواتبها عالية.