أذكر قبل بضعة سنوات، وحينما طُرح قانون المرور الجديد، كيف أن البعض عبر عن استياءه مما اعتبره «تشديداً» في شأن الرقابة وفرض الغرامات، واعتبر أن الإدارة العامة للمرور تريد أن تطرح مشروعا هدفه «تنمية الإيرادات المالية» الخاصة بها عبر مخالفة البشر والأخذ من جيوبهم!

أتذكر يومها أنني كتبت سلسلة من المقالات أدعم فيها القانون الجديد، بل وأشدد على ضرورة زيادة العقوبات وقيمة المخالفات، وهذا الأمر جعلني عرضة للانتقاد، بل وتواصل معي بعض المواطنين الغاضبين بهدف لومي على ما كتبت، وعلى ما دعوت به بشأن تغليظ العقوبات.

كل اتصال جائني كنت استمع فيه للمتصل الذي «يلوم»، وبعد أن ينتهي كنت أوجه له سؤالا واحدا: «ماذا لو كان ابنك المقتول في حادث سيارة سببه سائق متهور حول الشارع لحلبة سباق؟! هل ستطالب بعقوبة أخف مثلما تطالبني في اتصالك؟!».

اترك تخمين الإجابة لكم، وهي طبعا لن تخرج عن سياق المعادلة القائلة بأن «الإنسان يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره»، وهذا لا يعني «سوء النية» هنا، بل طبيعة النفس البشرية التي تلجأ غالبا إلى المناورة بشأن ارتكابها للخطأ وتبحث عن ذرائع وتبريرات لبيان أن مع فعلته أمر لا يستوجب التشديد في العقوبة أو المحاسبة.

نعم، ماذا لو كان إبنك المصدوم؟! ماذا لو كانت عائلتك التي انقلب أفرادها بسيارتهم فقط لأن سائقا متهورا صدمهم، أو دخل في الشارع عليهم، أو قطع إشارة حمراء معترضا طريقهم؟! وماذا لو وماذا لو .. وهنالك عشرات السيناريوهات التي ستجد نهايتها مأساة إنسانية، سببها «تهور» و«عنجهية» و«صبيانية» و«استهتار» في الشوارع.

والله ليست المرة الأولى التي نكتب فيها ضمن هذا الموضوع، في محاولة لإيقاظ «الوعي النائم» لدى البعض الذي يظن بأنها «فتوة» في الشوارع، أو «قوة» أو «رجولة»، والذي يظن بأن شوارعنا التي من المفترض أن تكون آمنة للمستخدمين، ما هي إلا «حلبة سباق» له.

لذلك حينما نطالب بتشديد العقوبة على المتهورين في الشوارع فإنما نحن نطالب بمزيد من الحماية لمستخدمي الشارع من سائقين ومارة، إنما نطالب بوقف هذه المظاهر السلبية وإبعاد المتهورين غير متحملي المسئولية عن شوارعنا، إذ مجتمعنا لا يحتاج لمآسي وفواجع وكوارث لا داع لها، ولا يجب أن تحصل.

أكتب كل هذا وبالأمس فقط وأنا أسوق في أحد الشوارع الرئيسية في البلد، وأنا في المسار الأوسط، فإذا بسيارتين في المسار الأيمن والأيسر يتسابقان معا، وكأننا في حلبة سباق، والمهول في المشهد أن السيارات التي كانت في المسارات أمامهما سادتهما حالة من الهلع وكادتا أن تصدمان أمامي حينما تحرك كل منهما للمسار الأوسط. وهنا تخيلوا حجم الكارثة لو حصلت اصطدامات بسبب هذا الجنون.

الإخوة في الإدارة العامة للمرور جهودكم مقدرة، لكننا نرجوكم بتشديد رقابتكم ورصدكم لهؤلاء المتهورين، نرجو أن تتفعل الكاميرات بشكل مؤثر، وأن ينشر للناس حجم مخالفات السرعة والتهور التي رصدتها، حتى يطمئن الناس. وكلمة أخيرة للنواب، أنتم تحملون مسئولية تشريع قوانين أشد وأكثر صرامة لكل من يتهور على الشارع بتعمد، لأن الفعل الذي يقوم به ليس مجرد سوء سلوك، بل هو إشاعة أجواء من الإرهاب، ومحاولات قتل صريحة، ولست أبالغ هنا، واذهبوا وابحثوا في الحوادث وضحاياها لتعرفوا ما أقصد، ولا تنسوا، تذكروا لو كان أبنكم المصدوم أو المقتول، لا سمح الله!