تحت بند الصراحة الموهومة والشفافية المسمومة والمصداقية المزعومة، يطلق بعض الأشخاص أحكامهم الصماء وكلماتهم العُجاف دون فلترة أو إعادة تدوير غير آبهين بمن يسمعها كيف يمكن أن يكون شعوره المُرّ الحزين.
ما لفتني وأثار امتناني وتقديري مبادرة مدرسة أبنائي بتخصيصهم أسبوعاً كاملاً في المدرسة وذلك لتوعية الطلبة عن الآثار النفسية والمؤذية الناجمة عن أفعال التنمر.
ولكن لو دققنا قليلاً، لعرفنا أن التنمر الصادر من الأطفال يكاد لا يذكر بما قد يقوم به الكبار يعني أهل وذوو وأقرباء هؤلاء الأطفال، لنصل إلى قناعة بأن الأطفال أنفسهم ما هُم إلا المرآة الصادقة والحقيقة المؤلمة لممارسات ما يرونهُ من كبارهم.
الهدف من التنمر شيء واحد لا اثنان، أنا وأنت نعرفه جيداً وهو قهر طرف آخر أقل قوة وضمان الأذية النفسية له، سواء من خلال الإساءة والتعدي اللفظي أو الجسدي.
ولكن في الوقت عينه ممكن أن يكون العكس تماماً، أي أن المتنمر إنسان ضعيف جبان هزيل الفكر والمنطق والمبدأ والمكانة الاجتماعية والاقتصادية ويقوم بأذية شخص آخر قوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى ومضمون ولكن من وراء حجاب. وذلك بتطبيقه آفة التنمر من خلال برامج التواصل الاجتماعي وطبعاً بحسابات موهومة لينهال بكلماته القبيحة، وسخريته الرديئة والخالية من أي نوع من أنواع الإنسانية والرحمة على من لا يستحق تلك النعوت تحت عنوان «صراحة» و«حرية تعبير».
وإن كان تطبيقنا لمبدأ العلم في الصغر كالنقش على الحجر سليم جداً.. ولكن حبّذا ألا نغفل في أن نصلح سلوكاً لعقولٍ وإن كانت يبست كالصخر بإعادة ترويتها وصقلها علّها تترك عنها كل تصرف لئيم أليم. فالعلّة ليست بالصغار بل عند الكبار.