لم يقتصر ما يحدث في قطاع غزة على التأثير الإنساني أو السياسي فقط، ولكن كانت هناك العديد من التأثيرات أو التبعات الاقتصادية، التي شهدتها دول العالم والمؤسسات الاقتصادية العابرة للحدود خلال الأيام الماضية، وكما قال كثيرون إن ما قبل السابع من أكتوبر شيء وما بعده شيء آخر تماماً. ولن أتطرق للحديث عن الشأن السياسي أو الإنساني، فكثير من أهل الاختصاص كتبوا وأبحروا فيه، كما أن كافة شعوب العالم العربي اليوم لا حديث لها إلا عما تشهده غزة من أحداث دامية أفرزت قطبين عالميين من نوع مختلف: الأول داعم للإنسانية.. والآخر داعم لإسرائيل.. على حق كانت أم على باطل. ومن وقفوا بجانب إسرائيل من علامات تجارية دولية، تذوقوا خلال أيام قليلة جرعات مركزة من الهزائم والخسائر والتي أعتقد أنها ستستمر معهم لسنوات، فمن تابع الأسواق التجارية والماركات العالمية والسلع الاستهلاكية التي دعمت إسرائيل فسيجدها اليوم تحاول أن تخفي نزيفها بشتى الطرق، لكنها تقف وسط بحيرة من دماء هذا النزيف الممتد أصوله إلى ضحايا الجريمة الإنسانية في قطاع غزة.

وأكاد أجزم أن هذا القرار الذي اتخذته تلك العلامات التجارية، كان نتيجة ضغوط لم تحسب التبعات السلبية له، بل إن نسبة كبيرة من أصحاب هذه المؤسسات العابرة للحدود يمتلكها من يدعمون إسرائيل منذ سنوات دون أن يدرك ذلك إلا عدد قليل، لكن الأزمات عادة ما تكشف الحقائق، وغبار الحروب يزيح غمامة من على أعين الناس.

ولقد حاولت أن أرصد حجم خسائر بعض تلك المنتجات والمؤسسات بالأرقام، إلا أنني تراجعت لسبب واحد، وهو أن معدل النمو في الخسائر لا يتوقف دقيقة لأتمكن من رصده، بل هو في ارتفاع مستمر ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بدوران رحى الحرب على الأشقاء في غزة.

ورغم أن أهل الاقتصاد عادة ما يحاولون النأي بتجارتهم عن السياسة والارتكان إلى فريق دون آخر، إلا أن هذا الرابط موجود فعلاً، ويبقى خفياً ومخفياً إلى أن تظهره شمس الحقيقة ورعونة رد الفعل.

لاشك أن ما حدث ويحدث في غزة هو حدث عظيم سيتوقف عنده الخبراء والمحللون في كافة المجالات سواء السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ليدرسوه دراسة مستفيضة، وعسى أن يبدأ الباحثون في منطقتنا مبكراً الكتابة عن هذه الأيام، لأن تأثيرها بلاشك سيصل إلى أبعد إنسان عن قطاع غزة، ولو بعد سنوات أو عقود.