يبدو أن ما يجري في المنطقة أكبر من مسألة دخول حماس إلى المستوطنات، والحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، والتي ربما هي شرارة لما سيحدث لاحقاً من تحولات في المنطقة، تسعى إليها بعض الدول.

الحرب الدائرة، والتي راح ضحيتها حتى الآن الآلاف من المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، تسعى لتغيير الديمغرافية، وإعادة تقسيم الحدود، وهذا بحسب ما يراه المحللون في شتى أنحاء العالم، والأمر لا يقتصر على تهجير الفلسطينيين قسريا إلى سيناء في مصر، وأخذ غزة، وإنما قد يشمل المشروع دولاً أخرى.

فالعراق من جهته، بدأت الميليشيات فيه بالاستعداد لحرب بالوكالة، لا تُعرف أسبابُها، في حين صرح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنه يرفض أن يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات أو أرضاً لمعركة لا دخل للعراق بها.

سوريا من جهتها تشهد قصفاً مستمراً على المناطق والمنشآت الحيوية، فالجميع يسعى لفرض سياسة الأمر الواقع والحصول على أكبر مكاسب في ظل انشغال العالم فيما يجري في غزة.

لبنان هو الآخر يشهد نزوحاً جماعياً للمواطنين من الجنوب، رغم أن المناوشات لم ترقَ إلى مستوى الحرب كما يجري الحال في غزة حتى الآن.

أما الدول العربية الأخرى، فقد قالت كلمتها في قمة السلام في القاهرة، والتي شهدت تصريحات حادة وبها عدة رسائل لا تتسع السطور للبحث فيها وإجراء قراءة ولو سريعة لها، فهي جميعها رسائل من كافة الدول برفض ما سيجري، وتحذيرات من جرّ المنطقة إلى صراعات أكبر، أو محاولة تنفيذ أي مخطط آخر فيها.

أما تصريحات إسرائيل والمسؤولين فيها، فهي أيضاً حملت رسالات بأن شكل المنطقة بعد 7 أكتوبر لن يكون كالسابق، وأن تحولات كبيرة ستجري في المنطقة، وأن الصراع أكبر من الدائر حالياً.

كل ذلك جرى خلال 20 يوماً.. استعراضات عسكرية هنا، وتصريحات متشنجة هناك، ورسائل سياسية عديدة في كل خطاب من خطب الزعماء في العالم، ومحاولات للحصول على أكبر مكاسب وفرض سياسة الأمر الواقع في بعض الدول.

ربما لن يجري أي تغيير بعد أن يرى كل طرف قوة الطرف الآخر، وربما تحدث خلف الجدران مباحثات وتفاهمات سياسية توقف هذا المخطط، ولكن كل ما نتمناه هو ألا يُقسَّم المُقسَّم، ولا يُمزَّق المُمزَّق، ولا يُقتل المزيد من الأبرياء، وألا يقع المزيد من الضحايا، ولا نرغب بالمزيد من مشاهد التشريد واللاجئين الذين يبحثون عن بقعة آمنة لهم ولأطفالهم.

ولكن.. الحقيقة الأكيدة في كل ما يجري هو أن دماء الشعوب للأسف الشديد هي أرخص ما يتم التفاوض عليه، وشعارات حقوق الإنسان التي كنا نسمعها، سقطت ورقة التوت عنها، وآخر همهم، هو الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيون.