القضية الفلسطينية بعد «طوفان الأقصى».. تحليل في التهجير والتصفية والصمود
تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة جديدة من الغليان، ربما تكون غير مسبوقة، وتبدو دول المنطقة وكأنها فوق صفيح ساخن، منذ هجوم 7 أكتوبر الجاري، حيث استطاعت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ومجموعة أخرى من الفصائل الفلسطينية تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد إسرائيل، براً وبحراً وجواً، وُصِفت بـ«المباغتة»، لتشكل وفقاً لمحللين عسكريين وإستراتيجيين أقوى وأصعب هجوم على إسرائيل منذ حرب أكتوبر مع مصر في عام 1973. وقد تمكنت الفصائل من التسلل إلى المستوطنات الإسرائيلية وقتل وإصابة واختطاف جنود ومدنيين اعتبروا في عداد الرهائن، لكن في المقابل، لايزال الرد الإسرائيلي على عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية يبدو انتقامياً من خلال تصفية الآلاف من المدنيين الفلسطينيين العزّل في قطاع غزة، فضلاً عن فرض إسرائيل عقاباً جماعياً على المدنيين في القطاع عن طريق عزله عن العالم، وتحويله من سجن مفتوح إلى أكبر مقبرة في العالم، ومنع وصول الإمدادات والمساعدات الإنسانية والإغاثية حتى قبل 48 ساعة من كتابة هذه السطور، لاسيما وأن إسرائيل استهدفت المناطق القريبة من معبر رفح نحو 4 مرات، قبل أن تقصف بـ«الخطأ» أبراج مراقبة مصرية قرب المعبر، بحسب تقارير إخبارية عربية ودولية. وإذا تناولنا الجانب التحليلي والسياسي للعملية وتبعاتها التي ربما توقّف فيها بعض الكتاب والمحللين عند إدانة حماس أو محاول شيطنتها وشن الهجوم اللاذع على قيادات الحركة مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية وغيرهم، محللين أن ما يحدث في غزة ربما يكون انتقاماً إسرائيلياً من الإنسان الفلسطيني في القطاع، معتبرين أن ما قامت به الحركة هو مجرد قفزة مجنونة في الهواء، دون إدراك تباعاتها وخسائرها. غير أن البعض الآخر ربما رأى فيها مبدأ أن «ما أُخِذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة»، وهذا هو السبيل الوحيد لتحرير آلاف الأسرى من سجون إسرائيل، لعل أبرزهم زعيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، مروان البرغوثي، والذي يُعدّ أحد الرموز الفلسطينية البارزة في العقد الأخير، وغيرهم من قيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى، استناداً إلى ما تم في عام 2011، من إتمام صفقة تبادل الأسرى المعروفة باسم «وفاء الأحرار»، بين «حماس» وإسرائيل، برعاية مصرية، حيث تمكّنت الفصائل الفلسطينية من تحرير نحو 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وقد كان من بين الأسرى يحيى السنوار، العقل المدبر، ومهندس عمليات حماس، لاسيما «طوفان الأقصى»، ولذلك لم يكن غريباً أن تبدي تل أبيب الندم على إطلاقه في صفقة شاليط لاحقاً. وربما هذا ما ذهب إليه خالد مشعل في حديثه عن الصفقة المقبلة لتبادل الأسرى، خاصة وأنه رأى أن لديهم من الأسرى ما يكفي لتحرير كل الأسرى الفلسطينيين من سجون إسرائيل، حتى وإن كان بدا أمام خصومه دون مؤيديه وكأنه ذهب إلى توزيع «فرو الدب» قبل أن يصطاده، لاسيما وأن عملية «السيوف الحديدية» لم تنتهي وغزو القطاع براً لم يأتِ بعد!! من هذا المنطلق، وفي قراءة واقعية للأحداث على الأرض، -ونشدد على كلمة واقعية- نجد أن القضية الفلسطينية التي هي تمثل في المقام الأول، قضية العرب الأولى، ربما تأخذ منحى آخر، بعد عملية «طوفان الأقصى»، سواء من الناحية السياسية، أو الديمغرافية، أو العسكرية، وربما الاقتصادية أيضاً، خاصة مع لجوء إسرائيل بشكل مباشر إلى الحديث عن تهجير الفلسطينيين، في محاولة لتصفية القضية مادياً، ومعنوياً، من خلال تهجير أهل غزة إلى سيناء، وأهل الضفة إلى الأردن، وبذلك تكون إسرائيل قد استطاعت أن تقضي على آخر آمال الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لحل الدولتين، وقرارات الأمم المتحدة. بيد أن الموقف العربي بوجه عام، والموقف المصري والأردني، بشكل خاص يبدو أكثر تشدداً وحزماً في مسألة إمكانية السماح لإسرائيل بتهجير أهل غزة أو أهل الضفة، حيث لا مجال لإسرائيل في ترديد مثل هذه المقترحات التي ربما ترى فيها إسرائيل أنها تقرأ الطالع على أسس من الواقع، لكن في الوقت ذاته يبدو أملاً بعيد المنال، لاسيما وأن المصريين والأردنيين لن يسمحوا بذلك الأمر بتاتاً وهذا ما ظهر جلياً في الحشود الكبيرة من التظاهرات التي رفعت شعار «سيناء خط أحمر.. لا لتهجير الفلسطينيين». ولعل الأمر الآخر الذي ربما يغير المعطيات لصالح الفلسطينيين، خلال المرحلة المقبلة، الخلافات الكبيرة داخل ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، والخطأ الجسيم في كيفية عدم قراءة منطق «الخداع الاستراتيجي»، الذي تعرض له من فصائل مسلحة، وليس من دولة، وهو ما سيدونه التاريخ عليه لاحقاً، وربما لن يسلم من محاكمات الإسرائيليين قبل قسوتهم عليه وانتقاداتهم له شعبياً وإعلامياً. مهما كتب، ومهما قيل، ومهما تردد، من تحليل أو تمحيص، يبقى الرهان على العامل الرئيس ألا وهو الصمود الفلسطيني الذي يبقى الركن الأساس والعنوان الأبرز للقضية الفلسطينية، من أجل أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، لاسيما وأن أبناءه -كلهم- اتفقنا أو اختلفنا معهم، في كل زمان ومكان، دائماً على العهد باقون.