عاد أبناؤنا وبناتنا إلى المدارس بعد عطلة صيفية امتدت طويلاً، عادت المدارس وبدأت أصوات أجراس المدارس تصل إلى مسامعنا في كل وقت وحين، ولا أدري إن كان من محاسن الصدف أو عكسها أن انتقلت مع أسرتي منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى بيتي الجديد بمنطقة ديار المحرق بعد أن كان بيتي السابق يقع على شارع آل محمود بمدينة الحد الذي تمتد على جوانبه ثلاث مدارس حكومية، فقبالة بيتي السابق بالضبط تقع مدرسة أسماء الابتدائية للبنات، وشمالها وعلى بعد أقل من مائتي متر تقع مدرسة الحد الإعدادية الثانوية للبنات، وعلى بعد أمتار قليلة شمالها تقع مدرسة الحد الابتدائية للبنين.. ولذلك فإن شارعنا تصطك به السيارات منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى حوالي الثامنة، وتعود مرة أخرى للازدحام منذ الساعة الواحدة ظهراً وحتى الثالثة، وهات «ياهرنات» وزحمة واختناقات مرورية.

وكان الله في عون أولياء الأمور الذين يوصلون أبناءهم وبناتهم إلى هذه المدارس وغيرها، وكان الله في عون إدارات المدارس ومدرسيها وطلبتها من هذا الازدحام.

أولياء الأمور وخاصة من لديهم خمسة أطفال أو أكثر وضعوا أيديهم على رؤوسهم ثم عادوا ووضعوها في جيوبهم حتى يخرجوا آخر فلس أو دينار أحمر منها، فالمصاريف المدرسية لأولادهم وبناتهم بدأت ولن تنتهي إلا بنهاية العام الدراسي، فبعض الشنط المدرسية بلغ سعرها أربعين ديناراً، ناهيك عن الأقلام والكراسات والمقالم والمساطر ودفاتر التلوين والتجليد، وطلبات المدرسين والمدرسات التي لا تنتهي على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم تحث المدارس على تقليل هذه الطلبات ما أمكن رأفة بأولياء الأمور، لكن «رفيجك أصمخ»، وعلى الآباء أن يدفعوا ويدفعوا دون أن يقولوا «بم».

والمدرسون كذلك دخلوا دوامة التدريس، وما أقسى هذه المهنة رغم قدسيتها، فقد جربتها بنفسي في بداية حياتي العملية لمدة اثني عشر عاماً حتى «طقت» نفسي فاستقلت منها رحمة بأعصابي.

يدخل المدرس صباحاً وهو في كامل نشاطه، لكن شقاوة التلاميذ وكثرة الحصص وانتقاله من فصل إلى آخر تجعله يعود إلى بيته وقد أنهك تماماً وبُحّ صوته وعلت حرارته وارتفع ضغط دمه، لكنه مع ذلك لا يستريح، فالكراسات تلاحقه لتصحيحها، وتحضير الدروس ليوم غد شغله الشاغل بعد الدوام، وكشوف العلامات تؤرقه، وتحضير وسائل الإيضاح التي تعينه على تدريس مادته تأخذ من وقته الشيء الكثير، فالمدرس أعانه الله جندي مجهول يعمل ليلاً ونهاراً دون أن يحس به أحد، وهو يردد في حسرة قول أمير الشعراء أحمد شوقي في المعلمين والمدرسين:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

أما الطلبة والطالبات فكان الله في عون الصغار منهم في حمل الحقائب المدرسية الثقيلة أو جرجرتها وراءهم، وكان الله في عونهم من المناهج الدراسية الطويلة والمملة، ومن كثرة الامتحانات الشهرية والدورية والسنوية الشفوية منها والتحريرية. وكان الله في عونهم من كثرة الواجبات المدرسية التي لا تنتهي والتي تأخذ جل وقتهم وتحرمهم من التمتع بطفولتهم وبراءتهم.

وكل عام دراسي والجميع بخير، وكان الله في عوننا جميعاً.