يُعرف التأريخ الشفهي بأنه أسلوب جمع وتوثيق التاريخ من خلال المقابلات الشخصية مع الأشخاص الذين عايشوا أحداثاً معينة أو لديهم معرفة بموضوع تاريخي ما سواء عاصروه أو كانوا قريباً من الأشخاص الذين كانوا في تلك الحقبة، ويعد التأريخ الشفهي أحد الأساليب المهمة للحفاظ على الذاكرة التاريخية، حيث إنه يساعد الباحثين بشكل كبير ويوفر لهم نظرة مركزة على التجارب والأفكار والمشاعر التي لا يمكن العثور عليها في المصادر المكتوبة.

واعترفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بالتوثيق الشفهي في عام 2003، وذلك في إطار اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي. وقد جاء هذا الاعتراف في المادة 2 من الاتفاقية، التي تنص على أن «التراث الثقافي غير المادي يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التقاليد الشفهية والمنقولة، بما في ذلك القصص والأساطير والأغاني والموسيقى والرقص والألعاب، والاحتفالات والطقوس، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمهارات المرتبطة بالمهن التقليدية».

إن اعتراف اليونسكو بالمقولات الشفهية كمصدر تاريخي يعتد به أهمية كبيرة للتأريخ الشفهي، فهذا الاعتراف يؤكد شرعية التأريخ الشفهي كطريقة للحفاظ على الذاكرة التاريخية وتعزيز الفهم الثقافي، ويمكن أن يساعد هذا الاعتراف في زيادة الوعي بالأهمية التاريخية للمقولات الشفهية، كما يمكن أن يشجّع الباحثين على استخدام التأريخ الشفهي في دراساتهم التاريخية.

خلال تجربتي في هذا التوثيق من خلال بودكاست «كاسيت» بمعية الصديق عبدالرحمن الرميحي لمست هذا الأثر، وحتى خلال بحثي عن بعض المحطات المهمة كنت كثير الرجوع إلى مقابلات د. يوسف محمد والأستاذ مبارك العماري، والأستاذ جمال زويد لما فيها من مواضيع مهمة لن تجدها في التاريخ المكتوب.

وتساعدنا مقابلات الشهود العيان على فهم ما حدث خلال فترة الصراع أو التغير الاجتماعي، كما أنها تساهم في حفظ الذاكرة التاريخية من خلال المعلومات حول أحداث أو أشخاص قد لا يتم تسجيلها في المصادر المكتوبة، وهذا ما يعطينا نظرة أشمل وأوسع لفهم الثقافات المختلفة والقيم والممارسات الثقافية.

وفي عصر التكنولوجيا الذي نعيشه يتم توثيق كل شيء من التجارب الإنسانية، مثل تجارب اللاجئين أو الناجين من الكوارث الطبيعية، فالمقابلات الشفهية مع هؤلاء الأشخاص والتعرف على تجاربهم ومشاعرهم، إضافة إلى كل المخزون المرئي الموجود لهذه الأزمات سيعتبر مصدراً متكاملاً لفهم التاريخ لباحثي المستقبل، فالمكتوب أصبح من السهل العبث فيه اليوم، كما يمكن العبث بأي شي تقريباً في ظل وجود الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أن يكتب لك تاريخاً كاملاً خلال دقائق ويدعمه بالصور والمقاطع غير الحقيقية!!