في خطوة جريئة قام رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك بفرملة مجموعة من سياسات المناخ أو ما يعرف بالسياسات الخضراء. ففي الأسبوع الماضي أعلن سوناك عن إضافة خمس سنوات على موعد منع استخدام السيارات التي تعمل بالبترول والديزل من 2030 إلى 2035 كما تراجع عن تطبيق قرار منع استخدام سخانات الماء التي تعمل بالغاز وأكد التخلي تماماً عن مشاريع صديقة للبيئة تسعى للاستخدام المشترك للسيارة carpooling وإلزام البيوت بتوفير سبعة صناديق للقمامة من أجل جهود إعادة التدوير. ووعد بعدم فرض ضرائب إضافية على اللحوم ومنتجات الألبان أو على الطيران أو إدخال اشتراطات جديدة على تصاميم العمران لتوفير الطاقة والتي كانت كلها من ضمن السياسات الخضراء التي ورثتها حكومته من حكومات سابقة.

وأوضحت وزيرة أمن الطاقة والحياد الكربوني في الحكومة البريطانية كلير كوتنهو في مقال في «التليجراف» أن هذه السياسات كانت ستؤثر على إمكانيات الأسرة البريطانية وستجعلها تتحمل مصاريف إضافية للالتزام بها وتنفيذها مؤكدة أن تحقيق صافي الانبعاثات الصفري– وهو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر– لا يعني معاقبة الناس! أما وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان فقالت في تصريح إذاعي «لن ننقذ الكوكب عن طريق إفلاس الشعب البريطاني»!

وفي مايو الماضي طلب الرئيس الفرنسي من الاتحاد الأوروبي وقف فرض المزيد من التعديلات على القوانين الصديقة للبيئة خوفاً من تأثيرها على قطاع الصناعة في فرنسا وأوروبا. وفي ألمانيا أدى التسرع في منع السخانات التي تعمل بالغاز إلى سخط ورفض شعبي لسياسات المناخ بشكل عام. ويبدو أن أوروبا كلها تعاني من التسرع والتشدد في تبني سياسات خضراء تتطلب بدائل مكلفة سواء من الأفراد أو الشركات وتفرض ضرائب وغرامات عليهم في حال عدم الامتثال.

ويرى محللون أن المبالغة في اتباع السياسات الخضراء والتشدد في تنفيذها يؤدي إلى بروز جماعات يمينية متطرفة في المشهد السياسي الأوروبي ويساهم في ظهور أحزاب أجندتها شعبوية مما يفقد الحكومات الحالية قدرتها على كسب رضا الناس والاستمرار في القيادة. كما يؤكدون أن التشدد في تطبيق السياسات الخضراء كان له أثر سلبي على نمو الصناعة وتقدمها مما جعل أوروبا تتراجع صناعياً عن الصين وأمريكا اللتين لا تطبقان السياسات الخضراء بنفس الصرامة.

وتعطي بريطانيا وأوروبا درساً في عدم الانجراف ورائهما مع كل سياسة يطبقونها وأن لا تتبع الدول الأخرى حالة الاندفاع التي يمران بها حول ملف المناخ تحديداً لما لهذا الاندفاع من عواقب سلبية على إمكانيات الأفراد والشركات ومشاريع التنمية بالنسبة للدول. وبالتالي التعامل مع هذا الملف بتأنٍ واعتدال وبتدرج مدروس يناسب إمكانيات كل دولة.