الأسبوع الماضي وأنا أقف في أحد الشوارع الفرعية في انتظار انصراف ابنتي من المدرسة، شاهدت صبياً أعرف والده، يمشي وهو يعرج، وما أن أصبح بالقرب مني سألته «فيك شي؟»، قال لي لا! قلت له أقصد بأنك تعرج، هل بك إصابة؟ أعاد نفس الجواب لا. وهو يمضي في حاله أدركت ماذا به، ولماذا هو يعاني.

الصبي كان يعاني من «السمنة» ولا أقول سمنة بسيطة بل سمنة مفرطة، وما أن ركزت في من حولي إلا أجد نسبة ليست ببسيطة من الأطفال «ذكور وإناث» لديهم سمنة.

ففي السابق أي قبل عشرين عاماً كان هناك نسبة غير ملاحظة للسمنة بين أطفال المدارس، وحسب بعض المعلومات التي أذكرها من أكثر شخصية عملت من أجل مكافحة السمنة وتثقيف الطلبة والناس حول مخاطر السمنة «الدكتور عبدالرحمن مصيقر» بأن السمنة كانت بين طلاب المدارس الحكومية أقل بكثير من طلاب المدارس الخاصة، وأن حصر الأسباب لنمط الحياة الذي يتبعه طلاب المدارس في المدارس الخاصة ولكون أغلب ممن كان في تلك الفترة في هذه المدارس من أبناء الطبقة ما فوق المتوسطة، عكس طلبة المدارس الذين نادراً ما كانوا يعرفون نمط حياة فيه رفاهية يومية، فلا ساعات جلوس طويلة يقضونها في لعب الألعاب الإلكترونية «البليستيشين» ولا وجبات سريعة ودسمة إلا في المناسبات ومع كل راتب.

وقبل أشهر صرح رئيس جمعية الأطباء البحرينية الدكتور عامر الدرازي بأن إحصائية مهمة أجريت بعد عمل مسح عام للمدارس في مملكة البحرين بينت أن نسبة ارتفاع الوزن والسمنة لدى الأطفال في المدارس أكثر من 20 %، وهي التي تعد من أعلى النسب عالمياً.

وبكل تأكيد فإن الطرف الذي يمكن أن نلقي اللوم عليه هم أولياء الأمور، بسبب التراخي والقبول بالوضع الذي يعيشه أبناؤهم، فأغلب إن لم يكن الجميع أصبح موضوع توفير أجهزة لوحية «تابلتات» أو جوالات أمر أساسي في حياتهم وحياة أبنائهم، ثم يأتي مكان اللعب وهو مقتصر على الألعاب الإلكترونية، وهنا يقضي الأطفال ساعات طويلة بلا حراك أضف عليها وجبات خفيفة وغير صحية، الوجبات السريعة من جهة وسهولة الطلب بسبب التطبيقات التي وفرت العديد من الخيارات وسهلت وشجعت على الاعتماد بشكل كبير على الطعام من خارج البيت.

أذكر في السابق أن كل الأمور كانت تحد الطالب والطفل على الحركة والحصول على غذاء بقدر الحاجة الأساسية، من سير يومياً للمدرسة وإن كانت المسافة ليست ببسيطة، وحتى النشاط اليومي للأطفال خارج المنزل بين الأحياء، كما أن حصة الرياضة سابقاً كانت عبارة عن مجهود محبب للطلبة، وعن الوجبات لا أذكر أننا عرفنا الوجبات السريعة إلا بعد مرحلة الثانوية وليس بشكل يومي أو أسبوعي بل فقط في المناسبات.

الحياة عن السابق تغيرت ولكن ليس من الخارج بل من الداخل، الأجواء هي نفسها التي كنا نعيشها، نفس الحر نفس البرد، نفس الشوارع ونفس الناس، فقط ما تغير هو ما بداخلنا، حيث أصبحنا نرى أطفالنا تماثيل زجاجية يجب أن نحرص كل الحرص على إرضائها، أصبحنا لا نقول لا لأي طلب، ونستصعب رد طلباتهم فهم الآن جيكن ناقتس، والأكيد أن الأجيال القادمة ستعاني من سمنة وقلة ثقة واتكالية والسبب «دلالكم الزائد».