خلال مسيرتي الإعلامية الممتدة لسنوات في الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون والإعلام الرسمي، وأخيراً منصات التواصل الاجتماعي، عايشت كما غيري من الزميلات والزملاء تطورات كثيرة وتغيرات في الشكل والمضمون الإعلامي، بل ووصل الأمر إلى تغيرات جذرية في نظرة المتلقي والمجتمع للإعلام ككل وللوسائل الإعلامية والعاملين فيها على وجه الخصوص.

فلسنوات طويلة كانت الصحافة المكتوبة المصدر الرئيسي والموثوق للخبر الصحافي، حيث كان الصحافيون يتمتعون بالاحترام والتقدير من جميع فئات المجتمع، باعتبارهم صناع الثقافة والمعرفة والمؤتمنين على مصالح الوطن والمواطن، ورغم مزاحمة الإذاعة والتلفزيون؛ ظلت الصحافة المكتوبة ملكة الإعلام وصاحبة الجلالة والسلطة الرابعة.

اليوم، ويجب علينا الاعتراف بذلك، ومع التغييرات التكنولوجية التي يعيشها العالم وتطور وسائل الاتصال والتواصل؛ فقد انتقلت السلطة إلى العالم الرقمي، وأصبحت "تغريدة" أو "بوست" من أي فرد عادي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي سبباً في إثارة قضايا مجتمعية أو سياسية، وقد تتحول لخبر أو سبق صحافي تعجز عنه أكبر المؤسسات الإعلامية، وقد تكون سبباً في خلق أزمة دبلوماسية أو صراع مجتمعي لا تحمد عواقبه.

أؤمن أن التطور هو سنة الحياة، وأن لكل زمان دولة ورجالاً، ولكن الأمر الذي لازلت أقف أمامه عاجزة عن الفهم والاستيعاب، هو أن تبقى بعض مؤسساتنا الرسمية مكتوفة الأيدي أمام كل تلك التطورات، وتعجز عن استيعابها والتفاعل معها والاستفادة من إمكانياتها، بل ويصر بعض المسؤولين على استخدام أدوات الماضي لمحاكاة الحاضر والمستقبل، وكأنهم يريدوننا أن نبقى أسرى أدوات وأساليب تقليدية عفا عليها الزمن.

مؤسساتنا الإعلامية، الرسمية والأهلية، لديها عشرات بل مئات من المبدعين الشباب المؤهلين والقادرين على خلق رسالة إعلامية وطنية تحاكي أكبر المؤسسات الإعلامية العالمية، بل وأفضل منها، لكنهم بحاجة أن يتخلص المسؤولون وصناع القرار من عقدة الإعلام بشكله التقليدي، وأن يتقبلوا ما طرأ عليه من تطورات وأشكال وأنماط حديثة، دون تفريط بالرسالة الوطنية والغاية الفضلى للإعلام باعتباره أحد أهم الأسلحة في الدفاع عن الوطن ومكتسبات المواطن.

إعلامنا بخير.. وشبابنا فيهم كل الخير، ولكن كم يؤسفنا أن نرى كل تلك الجهود والطاقات الإبداعية مجمدة، ودون أن يكون لهم دور أساسي ومحوري في تعزيز مسيرة التنمية الوطنية، والدفاع عن الوطن ضد محاولات تشويه صورته في الداخل والخارج.

فهل ندق جرس الإنذار قبل أن يتجاوزنا الزمن، فنفقد ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا أيضاً؟!!!

إضاءة..

تحية التقدير والاحترام لمعهد البحرين للتنمية السياسية، والذي يواصل ومنذ سنوات عبر برنامج "سفراء الوطن"، تزويد أبنائنا الطلبة الراغبين بالدراسة في الخارج، بالمهارات والمعلومات اللازمة، دبلوماسياً واجتماعياً وحقوقياً وسياسياً وإعلامياً، ليكونوا سفراء حقيقيين للبحرين في الخارج، وممثلين لقيم وعادات المجتمع البحريني وثقافته.