في شهر سبتمبر القادم ستحتضن البحرين مؤتمرا تحت مسمى «جودة الحياة الكاملة»، حيث سيعقد على مدى ثلاثة أيام بمشاركة أكثر من 16 متحدثاً محلياً وعالمياً، وسيركز على تجارب بعض المؤسسات في مجال الصحة المثالية وجودة الحياة.

وبحسب رئيس المؤتمر الدكتورة ريم أحمد البوعينين، كشفت عن أن آخر الدراسات التي أجراها معهد القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية أوضحت أن 70% من الموظفين تتأثر صحتهم العقلية من خلال تعاملهم مع مسؤوليهم ومديريهم، في مقابل تعاملهم مع محيطهم المجتمعي سواء في العائلة أو الأصدقاء.

مربط الفرس هنا أن هذه النسبة -أي الـ70٪- تتضمن بالتأكيد نسبة تثبت أن كثيراً من الموظفين تأثروا «سلباً» بسبب طرق التعامل من قبل مسؤوليهم، وهنا الحديث عن «الصحة العقلية»، ما يعني أن هناك حالات قام فيها بعض المسؤولين بـ «تجنين» موظفيهم، مثلما نقول باللغة الدارجة.

الإدارة هي أساس كل شيء، وحينما نتحدث عن الصحة العقلية للموظفين، وعن النفسيات وعن المشاعر، فإن العنصر المؤثر والأول في المسألة كلها هو «أسلوب إدارة وتعامل المسؤول»، وكيف أنه مثلما هناك مسؤولون يحرصون على اتباع الأسس الصحيحة للإدارة، بحيث يحولون «الوسط المهني» إلى مكان «محبب» بالنسبة للموظف، ويجد فيها نفسه وراحته النفسية وتزيد لديه الدافعية والرغبة في العطاء، فإن هناك مسؤولين «مبدعين» في تحويل مواقع العمل إلى «جحيم»، وبعضهم يخيل لك أن الإنجاز الذي يسعده هو «عدد» الموظفين الذين يتمكن من «تدمير» نفسياتهم و «تحطيم» معنوياتهم وإيقاع الظلم عليهم.

كلنا مرت علينا حالات تؤكد وجود مثل هذه النوعيات المدمرة، وستجدهم في أغلب مواقع العمل سواء أكانت رسمية أو خاصة، لأن العملية برمتها مرتبطة بالنفس البشرية، وكلما نجحنا في وضع «الأشخاص الصح» في الأماكن المرتبطة بمصائر البشر رفعنا نسبة التأثير الإيجابي على «الصحة العقلية والنفسية للبشر»، وكلما حولنا مواقع العمل إلى قطعة من الجنة بالنسبة لمن يحب العمل والإنجاز.

لكن إن تركنا الأمور دون رقابة ومتابعة، فإنك ستجد من يستغل سطوة المنصب أو الموقع ليحول المكان إلى «بيته الخاص»، ويتعامل مع البشر بأبشع الصور وكأنهم «خدم لديه»، لا احترام لهم، ولا حرص على صون كرامتهم، ولا عدالة أو إنصاف، لكن ظلم وإجحاف، في مقابل تقريب بطانة فاسدة، ونوعيات من البشر يتلاقون معهم في «النفس المريضة» التي يتنافسون في إظهار أسوأ أفعالها.

ولسنا نقسو أو نبالغ حينما نقول «نفوس مريضة»؛ لأن القاعدة الرئيسية في «الإدارة الصحيحة» ترتكز على العدالة والإنصاف وحفظ الحقوق، وهذه الأسس لا يحافظ عليها ويحرص على إحقاقها إلا إنسان ذو «ضمير» و «نفس تحب الخير» للجميع، وإنسان يجمع الناس ويفجر فيهم أفضل قدراتهم ويقدرهم أفضل تقدير.

بودي هنا بدلا من الاستناد إلى دراسات أمريكية بشأن «جودة الحياة المهنية» وما يرتبط بها من خلال «الصحة النفسية للموظفين» أن نحاول سبر أغوار مؤسساتنا، والوصول إلى الموظفين أنفسهم، ولو بشكل «سري» حفاظا عليهم، ومعرفة هل بيئة العمل التي يعملون فيها وطريقة إدارة مسؤوليهم تسهم في تعزيز «صحتهم النفسية» أم تدفعهم إلى «الجنون» بسبب سوء الإدارة والتعامل السيئ وغيرها من أمور مرفوضة تماما في أي مجتمع قويم؟! فهل يمكن معرفة ذلك بنسب واقعية؟!