هذا حديث أكرره دائما، سواء فيما أكتبه، أو حين حضوري مجالس الأصدقاء أو تجمعات العائلة، لأنه باختصار أمر يجعل الإنسان «يكذب» على نفسه، أو يخدعها، قبل أن يفعل ذلك مع الآخرين، وحتى لو كان من باب «التجمل» أو محاولة إظهار نفسه بشكل مثالي، أو تسويق نفسه على الآخرين.

أتحدث عمن يصور لك نفسه بأنه شخص «يخاف الله»، شخص «الآيات والأحاديث» لا تنقطع من حديثه كشواهد، شخص «ينصحك ويدعوك ويحضك» على مكارم الأخلاق ويقول لك «الله والرسول والدين»، بينما هو في المقابل في أفعاله وأقواله لا علاقة له بالدين ولا بأخلاقياته ولا بأي شيء آخر.

الرسول صلوات الله عليه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وهنا لو ركزتم قليلا فإن قوله هذا لم يتحدث فيه عن الدين وفروضه وأصوله، بل قال «مكارم الأخلاق»؛ لأنه بين دائما صلوات الله عليه أن الدين المعاملة، وأن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأن الإنسان الملتزم بدينه وما يدعوه إليه الإسلام سيعرف أن الصلاة وهي عمود الدين، هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، بمعنى صريح هنا، إذ كيف تصلي وتركع وتتهجد وترفع يدك تدعو ربك وأنت في المقابل إنسان يؤذي الآخرين، شخص سباب ولعان، فاجر في الخصومة، ساع بالشر للآخرين، تكذب وتظلم وتفعل كل شيء سيئ علاقة له بـ«مكارم الأخلاق».

وهنا أذكر منذ سنوات طويلة في فترة الثانوية حتى الجامعة، إذ مررت بمواقف فيها تواجهت بشكل قوي مع أقران لي، بعضهم كان مثالا جميلا لمن يحاول التدين أو الالتزام بأخلاقيات ديننا، وبالفعل ترى في وجهه النور وفي تصرفاته المثالية، ولكن في المقابل هناك من كأنه يحاول «ارتداء الدين» كبقعة أو قميص، يتحدث باسم الدين و«يضايق الآخرين» باسم الدين، وتراه في شخصيته وسلوكاته وأفعاله أبعد ما يكون عن الدين.

كتبت سابقا في الإدارة، أن من أخطر الذين يتولون مواقع مسؤولة هم الذين يستخدمون الدين كأداة، إما لفرض السطوة، أو كأدوات تجميل لهم، تنزه ديننا عن ذلك. وأعني بذلك من يحاول أن يحاصرك بالدين ويصورك كأنك مقصر أو مذنب وحتى «ملحد» إن لم تكن على هواه، بينما هو يبيح لنفسه الكذب والظلم وممارسة الفساد الإداري والمالي وكل أمر سيئ والله لا يقوم به «كافر» لا يخاف الله.

لذلك النصيحة هنا أن ننتبه إلى مثل هؤلاء، وأن ندرك أن هناك الصالحين الذين بالفعل يحرصون على أن يكونوا نموذجا إيجابيا لمن يحاول أن يلتزم بالدين ويطبق أخلاقياته ويبتعد عن الفحشاء والمنكر، وهناك من يستخدمون الدين لتجميل أنفسهم، وفي الحقيقة هم أسوأ البشر.

اتجاه معاكس

الحديث عن هذه النوعية من البشر يذكرني بوصف كان يقوله أجدادنا لمن يقصر في صلاته، أو لا يذهب لتأديتها في المسجد جماعة. أتذكرهم وهم يعاتبوننا كصغار كنا نلعب الكرة في الحي، كان الشايب يمر علينا ويقف ويقول: «ما تسمعون الأذان؟! روحوا صلوا. شنو إنتوا مسلمين بالاسم»!

وسبحان الله، ذات مرة صعقت بأشخاص يتحدثون بكل فخر عن أنهم «مسلمون بالاسم»، يقولون ولدنا مسلمين، لكننا لا نصلي ولا نصوم ولا نفعل شيئا مما يفعله المسلمون! نعم للأسف يتفاخرون بذلك!

اللهم ثبتنا على دينك ولا تأخذ أمانتك إلا ونحن مسلمون مؤمنون وفي طاعتك.