تُعرف الأمم بحضاراتها وتستَمر بين الأجيال بإرثِها، تذهب الأمم وتبقى شَواهِدُها تُخلِّدُها، وتُوثِّق للعالم إنجازاتها وما يُميِّزُ خَتم هويّتِها. ومن أهم الشّواهدِ تلك التي لا تستدعي شدُّ الرّحالُ لها، بل ترحلُ بذاتها لكل من يطلبها أو يودُّ التّعرف عليها، تُخاطب الوجدان قبل العقول، وتُقاسم العالم وحدة الأبجدية ولغة حروفها النّوتات الموسيقية، ذاك الشاهد الحضاري الثقافي الراقي الفنّي هو الموسيقى.
لقد كان الوعي بإدراك أهمية الحفاظ على المأثور الفني للموسيقى البحرينية واستمرارعطائها، الوازع وراء فكرة نيِّرة بدأت بتكاتف فرق موسيقى بحرينية تحت اسم «تجمع الفرق الموسيقية»، تأطّرت في فضاء مركز عبد الرحمن كانو الثقافي الذي أبرز جهودهم إعلامياً وسلّط عليها الأضواء، فصار لهم ظهور ترخصوا على إثره كجمعية موسيقية موحدة، نمى وتطور في كيانها مفهوم احتضان المهارات البحرينية الموسيقية ومخطوط السّجل الحضاري لها، فتجلّى عن ذلك تأسيس «جمعية فرق البحرين الموسيقية» بتاريخ 16 نوفمبر 2015 تحت سجل قيد الجمعيات والأندية الثقافية والفنية الخاضعة لإشراف هيئة البحرين للثقافة والآثار.
إن أبعاد هذا الفكر النّير تنعكس في مسمى الجمعية الذي يخلو من معنى الذاتية لطابع خاص أو نمط معين، ويحتوي على الشمولية في مدلول كلمة «فرق» البحرين، إذ يعنَى بكل النّتاج الموسيقي المحلّي، وهو بذلك يحمل مشروعاً وطنياً بامتياز، وتتبيّن معالم هذه المبادرة الوطنية في رؤية الجمعية التي تتطلّع إلى المساهمة في خلق جيل من الكوادر الموسيقية البحرينية الموهوبة والمحترفة وخلق بيئة داعمة للفرق الموسيقية والوصول بها إلى مستوى عالمي مرموق.
ضمن هذه المبادرة، تهدف الجمعية إلى هدف إلى احتضان وتأطير الفرق والأعمال الموسيقية البحرينية، وتعمل على الحفاظ على الهوية والتراث الموسيقي البحريني وتشجيع ودعم المواهب البحرينية الشابة لتنمية مواهبهم وصقلها، ذلك من خلال الدعم الفني للفرق الموسيقية البحرينية لإنتاج أعمال فنية مميزة تشكل إضافة في رصيد الإبداع الموسيقي لمملكة البحرين بتقديم الورش التدريبية والتثقيفية للموسيقيين، وتذليل الصعوبات التي يواجهها الموسيقيون البحرينيون سيما الفرق الناشئة في الحصول على فرصة لبناء خبرة في التعامل مع المسرح والجمهور، فتسعى الجمعية إلى إقامة الأمسيات وإحياء المهرجانات الوطنية بواسطة تعزيز الشراكات والتعاون مع الجهات الداعمة للنشاط الثقافي والموسيقي داخل وخارج مملكة البحرين.
وقد ظهرت هذه الجهود والشراكة الداعمة جليّة تحت أضواء مسرح مركز كانو الثقافي، حيث نظّمت جمعية فرق البحرين الموسيقية أمسية موسيقية لفرقة «تيك تاك» مساء الثلاثاء 4 يوليو، تميزت بحضور وتفاعل جماهيري كبير، ألقى في مستهلّها رئيس مركز عبد الرحمن كانو الثقافي الشاعر علي عبدالله خليفة كلمة أشاد فيها بالفرق البحرينية الشابة وضرورة الاهتمام بالنشاط الموسيقي ودعمه كأحد أهم روافد الثقافة، ونوّهت عقب ذلك الأستاذة بسمة البناء رئيسة جمعية فرق البحرين الموسيقية، في كلمتها بحرص الجمعية منذ بداية تأسيسها عام 2015، على ضرورة تبني الفرق الموسيقية واكتشاف المواهب الموسيقية الشابة وتقديم كافة الدعم لها.
اشتمل الحفل على مشاركة عدد من الفنانين البحرينيين المميّزين وهم: علي جيس عازف الجيتار، وعبدالله عارف عازف البيس جيتار، وأحمد الذوادي عازف إلكترك جيتار، وناصر زيمان عازف البيانو، ومحمد حبيب عازف الكونغا، ومحمد جمعة عازف الجيتار، وتركي نواف عازف الدرامز، بالإضافة إلى سلطان سالم نجم فرقة الأخوة البحرينية والمغني محمود قمبر والمغني عبدالله القصاب كضيوف شرف.
واختتم الحفل بمشاركة متميزة للفنان خالد الذوادي، أحد أهم أعمدة فرقة الأخوة البحرينية، قدم فيها فقرة من العزف الجماعي والمنفرد تفاعل معها الجمهور بحماس ورددوا فيها أبرز أغاني فرقة الأخوة البحرينية التي اشتهرت في الثمانينات والتسعينات.
جاءت مشاركة الفنان خالد الذوادي في ختام الحفل برمزية همزة الوصل ومدّ الجسر بين زخر عطاء وشهرة الموسيقى البحرينية إلى غاية الثمانينيات، والجيل المعاصر للعمل على سد الفجوة، ووصل انقطاع العطاء بتسليم المشعل للمواهب الصاعدة، لتخطو نحو الأعلى، الأمر الذي يستوجب تظافر الجهود لكافة الجهات المؤسسية والهيئات الحكومية الداعمة وعلى وجه الخصوص المعنية بالإرث البحريني للموسيقى والثقافة والفن.