لم تكن الحرية في يوم من الأيام فعلاً مطلقاً، بل حددتها أعراف وقوانين وشرائع سماوية وأرضية، لأنه وكما قال ابن خلدون إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإن الحرية المطلقة فساد وانتهاك وتجاوز على الآخر وإخلال بأسس وقواعد الكون.

من هذا المنطلق فلو طبقنا فكرة الحرية المطلقة، بتفرعاتها التي حددها الفلاسفة والمفكرون، حرية الفرد والرأي والاعتقاد والتملك، لوجدنا أنها غير واقعية بالمطلق، لأنها تمثل إخلالاً بالمبدأ الكوني، والمبني أصلاً على قواعد وأسس وقوانين تساهم في ضبط إيقاعه وعمله.

أسوق هذه المقدمة وأنا أتابع، ومعي مئات الملايين حول العالم، تداعيات قيام أحد الموتورين بإضرام النار في نسخة من المصحف خارج مسجد ستوكهولم الكبير، تزامناً مع عيد الأضحى، حيث سمحت الشرطة بإقامة الاحتجاج بعد أن قضت المحاكم بخطأ الشرطة في منع التجمعات التي يطلب تنظيمها في الفترة الأخيرة، وكان يخطط فيها لإحراق المصحف.

الملفت والغريب في ذات الوقت هو إصدار الحكومة السويدية بياناً أدانت فيها حرق نسخة من المصحف، معتبرة أن ذلك عمل معادٍ للإسلام، وقال بيان الخارجية السويدية «ندين بشدة هذه الأعمال التي لا تعكس بأي حال من الأحوال آراء الحكومة السويدية»، مذكرة في الوقت نفسه بأن «حرية التعبير حق محمي دستورياً في السويد».

وهنا سأقف عند الجملة الأخيرة، وأطرح أسئلة على الحكومة السويدية والمدافعين عنها؛ هل يدخل ضمن هذه الحرية المحمية دستورياً، حرية ارتداء الحجاب للمسلمات على الأراضي السويدية؟ وهل يقع ضمن ذلك حرية المهاجرين تعليم أبنائهم دينهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليهم؟ وهل يدخل ضمن الحرية المحمية حرية رفض قبول الشذوذ الجنسي وفرض قبوله على الرافضين واعتبارهم معادين للحريات؟ وهل يدخل في هذا النطاق حرمان المهاجرين من أطفالهم تحت ذرائع وادعاءات عنصرية؟ وهل يدخل ضمن الحرية السويدية عدم سن قوانين تحارب العنصرية والإسلاموفوبيا وكره الأجانب والمهاجرين؟!

أن تتوارى الحكومة السويدية خلف شعارات حرية الرأي والتعبير عند استهداف الإسلام والمسلمين، عذر أقبح من ذنب، فما جرى في السويد صبيحة يوم العيد لا يمكن إلا أن يكون جريمة كاملة الأركان ضد الأديان، كما يعكس النهج اليميني المتطرف في معاداة الحرية، وعدوان مباشر على حقوق الإنسان وخاصة حقه الديني.

وأخيراً من المفيد أن نستذكر بعضاً من تاريخ الغرب العنصري، والذي بات اليوم يرفع لواء الحرية والحفاظ على حقوق الإنسان، وهو تاريخ زاخر بالجرائم العنصرية، ومن أبرز صورها إبادة ممنهجة للسكان الأصليين في أمريكا وأستراليا وغيرهما، فضلاً عن استعباد ملايين الأفارقة بعد سرقتهم من أوطانهم إلى بلاد «الحضارة».

وفي تاريخنا القريب، نرى هيروشيما وناجازاكي وفلسطين والعراق وأفغانستان وليبيا والصومال، والقائمة تطول.