عندما ننظر في أساس تشريع مناسك الحج وشعائره، نجد أنها على وجه العموم تُودِع فيه جذوة الإيمان، وعلى وجه الخصوص تعمل على تأصيل مكارم الأخلاق وحميد الخصال، وتزرع فيه البر والتقوى.

فالحَجُّ مقصَد لتأهيل الحاج في أيام معدودات، بأقدس البقاع حيث شرِّعت المناسك، ليكتسي بالمواصفات الإيمانية والخُلُقية من خلال إحياء تجربة إيمانية تميَزت بمُطلق التسليم لأمر الله وجسّدت أبعاد الامتثال وفق ضوابط العلاقة مع الخالق وكذلك مع المخلوق، ليستقيم بذلك سلوك الإنسان في عقيدته، وأيضاً سلوك الإنسان في علاقاته مع غيره.

تجربة قامت على تصديق الرّؤيا واستجابة سيدنا إبراهيم عليه السلام لأمر الله، فدعا ابنه ليكون هدياً، في استجابته للأمر تتعلق بأحبّ ما لديه فيما مما رزقه الله، فكانت الاستجابة إثباتاً لطاعة وحب الله، وتعلّمنا طبيعة العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، وكذلك جاءت استجابة إسماعيل الآنية للأمر، لتعلمنا طبيعة العلاقة مع الله والقائمة على الأمر ولاجدال فيها، وانعكس الأمر بذلك ليكون ركناً من أركان شعائر الحج كما جاء في الآية الكريمة «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».

وتظهر أهمية استشعار هذه الأسس لمن يقوم بمناسك الحج وعلى حد سواء من يشهد هذه المناسبة ليستحضر هذه المعاني ويتدبّر المغزى من شعائرها، بأن استقامة العلاقة الربانية والعلاقة البشرية، وفق ضوابط تشريعها، هي سبيل الفوز والنجاة، ويستقي العبر فيما يحيد دونها، هو الخسران والهلاك.

فقد دعا إبراهيم ابنه لأمر ربه دعوة واحدة فأجاب رغم أن في ظاهرها الهلاك، ودعا نوح عليه السلام ابنه عدة مرات على مدى مئات السنوات تقارب ألف سنة، فلم يكن ممن أجاب، وامتنع حين دُعي للنّجاة.