قد يظن البعض أن النظام الإيراني وبعد تقربه من العرب بوساطة صينية، سيجعل الشعب يهدأ، وأن الحراك ضد النظام آخذ في التلاشي، وأن تلك الأصوات والحناجر التي تصدح مطالبة بإسقاط هذا النظام قد انخفضت حدتها، ولكن ليس كل ذلك صحيحاً، بل إن الشعب لا تزال نار ثورته مشتعلة، وحراكه مستمراً، بل هو آخذ في التصاعد يوماً بعد يوم.
ولكن كل ما هنالك أن الإعلام سواء العربي أو الغربي هو من قل اهتمامه نوعاً ما بما يحدث في إيران، مقارنة بالأيام الأولى من الحراك الشعبي الذي بدأ في سبتمبر الماضي، وهذا عيب الإعلام عموماً، فهو يسلط كل اهتمامه على الأيام الأولى من الحدث، ثم ينخفض هذا الاهتمام شيئاً فشيئاً، إلى أن ينساه أو يتناساه أو يغفل عنه أو يعتقد أن هناك أحداث أهم أو أكثر سخونة تستحق تسليط الضوء عليها، وهذا ديدن الإعلام الغربي بالذات في التعامل مع الشعب الإيراني على مدار أكثر من 40 عاماً، فأحياناً يضج هذا الإعلام بانتقاد النظام الإيراني ويتفاعل معه كبار المسؤولين الغربيين، وأحياناً أخرى تجد هذا الإعلام غير مهتم بما يجري في إيران من حراك شعبي فاعل ومؤثر، بل ومقلق للنظام.
ولعل البرلمان الإيراني نفسه لم يخفِ قلق بعض أعضائه من استمرار الحراك الشعبي، وتصاعده وجرأته بحيث أصبح الشعب يرد على عنف النظام مع حراكه بالعنف مع عناصر الأمن الإيراني، وهو ما أدى إلى مقتل عدد منهم في أيام قليلة، كما أكد على ذلك عضو البرلمان مجتبى يوسفي الذي أبدى قلقه البالغ من تصاعد الأحداث، واستخدام الشعب للعنف في ردهم المماثل على عناصر الأمن التي اعتدنا منها قمع المحتجين بكل وسائل العنف والترهيب.
إذن، الشعب هناك ثائر، ولم يثنِهم استخدام عناصر النظام العنف لقمع احتجاجاته، فلم يرهبهم ذلك كما كان في السابق، ولم يختبئ الشعب - كما اعتقد النظام - مع أول طلقة سلاح تخرج من عناصر الأمن، بل إن هذا الشعب أصبح يرد العنف بعنف مثله، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن الشعب لم يقل كلمته الأخيرة بعد، ويبدو أنه غير معني أو مهتم بمساعي النظام لتهدئة الأوضاع في المنطقة، ظناً منه أن هذه الاحتجاجات الشعبية مدعومة من الخارج، وأنها ستنتهي بمجرد «التهدئة» مع هذا الخارج، وطبعاً هذا الاعتقاد ليس صحيحاً البتة، بدليل أن الثورة مستمرة، وهذا ما يقلق النظام الذي لم يستطع إخماد هذه الثورة الشعبية إلى الآن، فهل تبدو هذه الثورة مختلفة حقاً عن سابقاتها؟