دائماً ما يردد أصحاب الانتصارات المؤقتة وبعض العقليات الرأسمالية مقولة «البقاء للأقوى» بعد أن يقوموا بافتراس من حولهم والسيطرة عليهم، وإقصائهم خارج المنافسة، ولكن هل هذه المقولة صحيحة على المدى البعيد؟

إن التصريح بهذه المقولات بعد نشوة انتصار مؤقتة سيزول مع الوقت، فعادة ما تتردد هذه المقولات بعد الانتصار في المعارك الصغيرة وليس الحروب الطويلة المدى، فزمان الافتراس وقانون الغابة قد ولى، ولم تعد القوة هي المقياس الوحيد للاستمرار والانتصار، ولكنها أصبحت عاملاً مساعداً لعدد من العوامل التي تمكنك من البقاء في القمة والمنافسة عليها.

البقاء اليوم ليس للأقوى، وإنما البقاء للأكثر استجابة للتغيير، ومواكبة التطورات وعدم مقاومة المختلف والجديد، كذلك عدم الخوف مما تجهل والبحث عن العلم والتعلم والتطور في كل ما يساعدك في التماشي مع متغيرات العصر الحديث والثورات التقنية والتكنولوجية في مختلف المجالات.

ولعل أحد أكثر الأمثلة شيوعاً عن الاستجابة للتغيير هي المؤسسات التي استطاعت خلال جائحة كورونا التحول بشكل ديناميكي للعمل ضمن المساحة التي أتاحتها الجائحة، فطورت عملية العمل عن بعد، وألزمت فريق العمل بالحفظ الإلكتروني والتحول السحابي حتى أصبح هذا التحول هو الواقع وهو المطلوب لما بعد الجائحة، كما تأكد الكثير من المسؤولين أن الإنتاجية هي المعيار الذي يتم فيه تقييم الموظف، وهو ما حدث عندما عمل الناس من المنازل دون رقابة ودون بصمة وكانت مستويات إنجازاتهم واستجاباتهم عالية.

في الجانب الآخر هنا من أصابهم مغص عندما وصلهم خبر العمل عن بعد، والتحول الإلكتروني للخدمات، والابتعاد عن الورق والتوقيع بالقلم، وإرسال المراسل والبحث عن السكرتير في كل صغيرة وكبيرة، وقاموا بمحاولة التظاهر بقبول التغير بالرغم من المقاومة الداخلية التي أبدوها ظانين أن أحداً لن ينبته، فهناك من يتصل على موظفيه وقت البصمة ليتأكد من أنهم مستيقظون بداعي السؤال عن شيء يخص العمل، وآخر يدخل «التيمز» ويراقب حالة المتصلين، وآخر يطلب تسجيل الحضور في قروب واتساب والكثير من الممارسات التي فيها نوع من المقاومة باستحياء خوفاً من الاصطدام بقرارات التغيير وموجة التحول.

ولكن سرعان ما ينفضح المتماشي مع التغير والمقاوم له، وذلك بعد عودة الأمور إلى طبيعتها، مع إبقاء الممارسات الإيجابية خلال الجائحة، والتي كانت بمثابة صداع لمحبي المركزية ومتابعي البصمة، فالتوقيع الإلكتروني والملفات الإلكترونية وحمل الآيباد بدل الملفات كانت تجردهم من شعور الإنجاز الوهمي، وأصبح يشعر أن وجوده شاذ للبيئة الجديدة، فالبعض قرر التكيّف، والآخر قرر الرحيل، والبقاء للأكثر استجابة للتغير وهذه سنة الحياة.